أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فكرى عبد المطلب - السعوديون والقطريون يدعمون الهيمنة الإسرائيلية على الأسواق العربية















المزيد.....



السعوديون والقطريون يدعمون الهيمنة الإسرائيلية على الأسواق العربية


فكرى عبد المطلب

الحوار المتمدن-العدد: 3572 - 2011 / 12 / 10 - 00:16
المحور: المجتمع المدني
    


مدخل :
فى واحدة من أكثر الإعترافات العلنية إثارة ، لم تتردد عائلة سعودية ، ذائعة الصيت ، فى مجال الإستثمار المالى والإقتصادى – هى مجموعة (العليان) – فى الإقرار بمشاركتها المباشرة مع مجموعة إسرائيلية نظيره ، فى تأسيس صندوق مالى ضخم ، باسم (إيمكو) وذلك بالتعاون مع مؤسسة خليجية أخرى ، ذات طابع حكومى ، هى " قطر للإستثمار " ، بوصفها القاطرة الخليجية الأشد (ديناميكية) ، لحمل مُجمل رأس المال العربى صوب البوصلة الإسرائيلية ، الفاعلة فى أسواق المال الدولية ، ولاسيما الناشئة منها ، فى دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية .
بيد أن التدليسات السعودية ، فى ميادين الإقتصاد ، كما فى ميادين السياسة والدين ، أبت إلا أن تغلف هذا اللون من (التطبيع) الفاضح ، بصياغات متهافتة ، وشعارات متهالكة (!) . وذلك من قبيل أن أنشطة مجموعة العليان تقوم على أساس القيم (.. ؟!) والمبادىء القوية (..؟!) ، وأنها لاتزال متمسكة بها ، منذ تأسيس المجموعة ، قبل ستون عاماً ونيف ، وحتى الآن (..) .
إلا أن الناطق الرسمى ، باسم المجموعة ، لم يدع لمعسول تلك العبارات يمر ، فذهب للقول : أن مجموعته محض مساهم ، فى الصندوق الجديد ، بصرف النظر عن هوية المساهمين الإسرائيليين (!) ، كونها – أى المجموعة – استأثرت بحصة جيدة ، فى ذلك الصندوق (...) فى محاولة منه لإصباغ صفة الحياد الاستثمارى على ذاك النمط من التشارك مع الإسرائيليين(!) ، وهو ما يتعارض – بالطبع – مع قوله السالف ، من تمسك مجموعته بـ"القيم والمبادىء القوية" ، والتى تزعم الأعراف السعودية أنها تتصل بالقيم الإسلامية والمبادىء الأخلاقية ، المتعارضة – بالقطع – مع أى تعاون مع ممثلى كيان غاصب للأراضى العربية والفلسطينية ، ناهيك عن مقدساتها الإسلامية (!) .
لذا ، لم يخف رئيس المجموعة الإسرائيلية المشاركة فى هذا الصندوق – وهو المدعو : نوشى دانكنر – نوايا الشركاء ومراميهم الإستراتيجية ، بالقول : إن تركيز (الصندوق) على الأسواق الناشئة (فى الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية بطبيعة الحال – يأتى فى إطار عملية مالية سياسية ملموسة تحدث فى العالم ، حيث تتحول الهيمنة الإقتصادية تدريجياً (هكذا) من الغرب إلى الشرق " ( ) .
هى – إذاً – عملية سياسية واسعة النطاق ، يوظف فى أتونها رأس المال السعودى والقطرى والإسرائيلى ، لأجل غايات " الهيمنة الإقتصادية " الإسرائيلية على " الشرق " ، بمعاونة المجموعات السعودية والقطرية ، بعدما جفت منابع تلك الهيمنة فى " الغرب " الأوروبى ، بطبيعة الحال (!) .
وكانت تقارير صحافية غربية قد تناقلت ، خلال أغسطس / آب ، من العام 2010 ، أخبار عدة ، تتحدث عن عقد اتفاقية لإنشاء صندوق استثمارى بين رجال أعمال سعوديين وقطريين وصهاينة,والخبر كما ورد فى وكالة "رويترز" يقول : أطلق بنك" كريدي سويس السويسري" .
صندوقا للاستثمار في الأسواق الناشئة مع ثلاثة من مساهميه بقيمة مليار دولار، بحسب ما قاله أحد المساهمين, وقالت مجموعة آي.دي.بي الاسرائيلية إنها ستستثمر 250 مليون دولار في الصندوق مع استثمار مماثل من كل من كريدي سويس وجهاز قطر للاستثمار وشركة العليان السعودية الاستثمارية, وأضافت أن صندوق اي.ام.سي.أو سيديره كريدي سويس ويركز على الفرص الاستثمارية في الأسواق الناشئة في أميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا, وستستثمر آي.دي.بي في الصندوق من خلال شركتين تابعتين هما كور اندستريز وكلال انشورانس، حيث ستضخ كل منهما 125 مليون دولار) .
وبحسب رويترز – أيضاً – فقد قالت مجموعة آي.دي.بي الإسرائيلية أنها ستستثمر 250 مليون دولار في الصندوق مع استثمار مماثل من كل من كريدي سويس وجهاز قطر للاستثمار وشركة العليان السعودية الاستثمارية, وأضافت أن صندوق اي.ام.سي.أو سيديره كريدي سويس ويركز على الفرص الاستثمارية في الأسواق الناشئة في أميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وستستثمر آي.دي.بي في الصندوق من خلال شركتين تابعتين هما كور اندستريز وكلال انشورانس، حيث ستضخ كل منهما 125 مليون دولار.
وتملك كور حصة تبلغ 3.24 في المائة في كريدي سويس فيما تملك شركة العليان 6.6 في المائة وجهاز قطر للاستثمار 8.9 في المائة في البنك السويسري.
وقال نوشي دانكنر رئيس مجلس ادارة آي.دي.بي في بيان "نرى امكانية كبيرة في الأسواق الناشئة التي تشكل محرك نمو على الأمد البعيد للاقتصاد العالمي .
وأضاف دانكنر ان الاستثمار في صندوق اي.ام.سي.أو سيتيح لآي.دي.بي زيادة أنشطتها في الصين والهند والبرازيل والتواجد في دول أخرى في آسيا وأميركا اللاتينية ذات معدلات نمو مرتفع.)
وفى تقرير اخبارى آخر وردت معلومات مضافة عن الصفقة واطرافها ويقول التقرير(كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية اليوم عن تفاصيل مثيرة لتعاون إستثماري ضخم بين شركة سعودية شهيرة ورجل أعمال إسرائيلي يدعى نوتشي دانكنير.
وقالت الصحيفة: إن هذا التعاون هو الأول من نوعه بين السعودية وإسرائيل، موضحة أن مجموعة "IDB" التي يرأسها دانكنير ستنشئ صندوقاً بقيمة مليار دولار للإستثمار في الأسواق الناشئة بأمريكا الجنوبية وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.وأضافت أن الصندوق الذي سيُطلق عليه "إمكو" ستساهم فيه شركات من السعودية وقطر وبنك سويسري، في الوقت الذي أبدى فيه دانكنير تفاؤله بنجاح المشروع.
وتستثمر شركة "IDB" مائتين وخمسين مليون دولار في الصندوق، فيما سيركّز الصندوق على الإستثمار في مجال النفط والغاز، خاصة في إندونيسيا.
كما ذكرت مصادر إعلامية غربية وإسرائيلية أنّ مجموعة شركات "أى دى بي" الخاضعة لسيطرة الملياردير الإسرائيلى "نوحى دانكنر" أبلغت إدارة بورصة "تل أبيب" انضمامها الى شركاء عرب من السعودية وقطر فى البنك السويسرى "كرديت سويس" بهدف تأسيس صندوق للاستثمارات بحجم مليار دولار للاستثمار فى الأسواق الناشئة فى كل من الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية، وسوف يُطلَق على الصندوق الجديد اسم "ايمكو".
وأشار الملحق الاقتصادى لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إلى أنّ هذا يُعتَبَر أول تعاون من نوعه فى صندوق استثمار مشترك مع عائلة "عليان" بالسعودية والحكومة القطرية اللتان ستساهمان فى الصندوق المشترك مع مجموعة شركات "أى دى بى" الإسرائيلية لصاحبها الملياردير دانكنر على أن يوظف كل طرف 250 مليون دولار علما بان حصة دانكنر فى الصندوق ستبلغ 25%.
وأفادت صحيفة "جلوبس" الاقتصادية التى أوردت هى الأخرى هذا النبأ بأن الملياردير الإسرائيلى دانكنر سيعمل بتعاون قريب مع الطرفين السعودى والقطرى حيث سيقوم كل من الشركاء بتعيين مندوب عنهم فى اللجنة الاستشارية للصندوق المذكور فيما سيمثل دانكنر بالذات مجموعة "اى دى بي" الخاضعة لسيطرته فى هذه اللجنة، وسيقوم بإدارة صندوق الاستثمارات مديرون من مجموعة "كرديت سويس".
وذكرت شبكة CNN الإخبارية أنّ هذا الصندوق يعد أول صندوق استثمارى مشترك مع عائلة عليان السعودية وحكومة قطر اللتان ستساهمان فى الصندوق المشترك مع مجموعة شركات "أى دى بى" الإسرائيلية.
وأشارت CNN إلى أن فكرة الصناديق الاستثمارية تتلخص فى قيام عدد كبير من المستثمرين بتجميع مواردهم وإدارتها بمعرفة مؤسسات مالية لتحقيق المزايا التى لا يمكن لهم تحقيقيها منفردين، فضلاً عن أن المخاطر التى يتعرض لها المستثمر فى الصندوق تعتبر أقل من تلك التى قد تواجه من يستثمر أمواله فى السوق مباشرة حيث إن ضخامة عدد الأسهم والسندات التى تحتفظ بها الصناديق تخفف من الآثار التى قد يخلفها تراجع أى من الأدوات على الأداء الكلى للمحفظة الاستثمارية.
ومن جهة أخرى قال بنك "كريدى سويس" فى بيان له نقلته وكالة "رويترز" للأنباء أنّ الصندوق سيعمل من خلال إدارة الأعمال والأصول وسيلاحق الاستثمارات الائتمانية العالمية فى الأسواق الناشئة.
ونقلت رويترز عن "روب شافير" الرئيس التنفيذى لقسم إدارة الأصول بالبنك قوله: "التزام مساهمينا تجاه الصندوق يعد شهادة على قوة امتيازنا فى الأسواق الناشئة والقيمة التى يمكن أن تنشأ للمستثمرين فى هذه الأسواق الهامة".
و قالت مجموعة شركات أى دى بى إن تمويل الأسواق الائتمانية الناشئة "ايمكو" ستدار بواسطة بنك "كريدى سويس" و تركز على فرص الاستثمار فى أسواق أمريكا اللاتينية، وأسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط، وإفريقيا.
ونقلت "رويترز" عن الملياردير الإسرائيلى نوخى دانكنير قوله: "نحن نرى أن هناك إمكانات كبيرة فى الأسواق الناشئة، التى تشكل محرك النمو على المدى البعيد بالنسبة للاقتصاد العالمي" لافتا إلى أنّ الاستثمار فى صندوق إيمكو سيسمح لمجموعته بتعميق أنشطتها فى الصين والهند والبرازيل وخلق وجود فى آسيا وغيرها من بلدان أمريكا اللاتينية مع معدلات نمو مرتفعة .
وإذا حاولنا التعريف بأطراف الصفقة ,فان مجموعة العليان هى مجموعة شركات سعودية أسسها سليمان العليان سنة 1947, بدأت كشركة نقل بري تعمل في إطار بناء التابلاين, طورت نشاطها مع الطفرة النفطية ليشمل المطاعم, صناعة الأغذية, صناعة الورق, البلاستيك, التأمين, لها عدة شراكات مع شركات عالمية من أبرزها كوكاكولا,برغر كينغ, بكتل,وفي سياق تقريرها حول الصندوق المشار اليه، ذكّرت "فاينانشال تايمز"بأنّ عائلة العليّان السعودية هي من أقوى العائلات السعودية في مجال عوالم التجارة والمال أما "سلطة الاستثمار القطرية", فهي، وفق المصدر نفسه، تدير أصولاً مالية تُقَدَّر قيمتها بما يتراوح بين65 و90 مليار دولار، وتمتلك أسهماً في مصرفَي "الاعتماد السويسري"و"باركلايز"و26 في المئة من أسهم سلسلة متاجر التجزئة البريطانية «ساينسبيري», ومن خلال «قطر هولدينغ»، تمتلك «سلطة الاستثمار القطرية»، أصولاً في شركة العقارات «سونغبيرد»، التي تملك شركة «كناري وارف»، وحصصاً في شركتي "فولكسفاغن"و"بورش"
أما رجل الأعمال "الإسرائيلي" دانكنر، فهو يملك 3 في المئة من "الاعتماد السويسري" وشركة(اى دى بى) ويملك حصصاً من شركة التأمين "كلال" وشركة الاتصالات(سيل كوم) .
تلك هى – إذاً – أبعاد التشابكات المالية والإقتصادية بين الأطراف السعودية والقطرية والإسرائيلية ، والتى مهدت – بالطبع – للتشارك فى قيام ذلك الذراع المالى الضخم ، تحت اسم : إيمكو وهو ما يعد انتقالة استراتيجية لعمل الأطراف الثلاثة ، فى مناطق ظلت مستعصية على الإسرائيليين ، ولاسيما فى الشرق الأوسط (...) ، ما يبرهن على مركزية الدور السعودى والقطرى (ومن يليها من أطراف خليجية وعربية) فى توفير عناصر المشروعية الإقتصادية للأنشطة الإسرائيلية فى تلك المنطقة ، على وجه التحديد (!) ، لا إلى محض فرص مربحة ، تبحث تلك الأطراف اقتناصها ، فى هذه الأسواق .
ذلك أن الخسائر المتتالية لصناديق الإستثمار السعودية والخليجية ، ككل ، فى الأسواق المحلية أو الدولية ، قبل وأثناء ، وبعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة ، قد زعزعت ثقة المستثمرين فى هذا الضرب من الإستثمار المالى ، إلى حد إقدام أعداد واسعة ، من المشاركين فى تلك الصناديق ، على الخروج منها ، خلال الفترة الواقعة بين عامى 2008و2010 ، وهو ما عزز من الأنباء القائلة بقرب اعلان خطة إنقاذ أمريكية لسوق المال السعودية ، بعد الخسائر الفادحة التى لحقت به حتى سبتمبر من العام 2010 (!) .
ووفقاً لتقارير مالية رسمية ومستقلة فقد انسحب نحو عشرة آلاف فرد من صناديق الاستثمار السعودية فى نهاية الربع الثالث من العام 2008 ، بعدما انخفضت قيمة أصولها بأكثر من أربعة مليارات ، فيما تراجعت القيمة السوقية بأكثر من ثمانية مليارات ريال ، وهو وضع واصل التردى فى الربع الأخير من العام 2009 ، حيث انسحب ثمانية آلاف فرد ، وانخفضت الأصول بنحو أربعة مليارات و3 ملايين ريال ، فيما تراجعت القيمة السوقية بنحو مليار و196 مليون ريال ، وهى ذات الوتيرة التى بلغت أقصاها فى العام 2010 ، حيث بلغت خسائر الصناديق مليار ريال أسبوعياً ، حتى أكتوبر من تلك السنة .
واستناداً إلى هذه المعطيات ، فيبدو أن خطة الإنقاذ الأمريكية لسوق المال السعودية ، قد أخفقت فى الحد من وتائر التدهور المتتالية ، فى هذا السوق ، على ضوء إقدام أعداد متزايدة من المنسجين ، من صناديق الإستثمار السعودية ، على المضاربة فى أسواق العملات الدولية، ولاسيما سوق : الفوركس ، والذى تقدر قيمة مداولاته اليومية بنحو تريلونى دولار ، وذلك على أمل أن يعوض هؤلاء المضاربون خسائرهم فى الصناديق السعودية .
وبحسب صحيفة " الراية " القطرية ( ) توقع خبير تجارة عملات فى شركات الوساطة السعودية ، هو خالد مدخلى ، استمرار السعوديين فى المضاربة على العملات العالمية لفترة أطول ، رغم المخاطر الجمة التى تكتنف هذه الممارسة ، كونها تتيح أرباح عالية أو خسائر فادحة ، استناداً إلى نظام الهامش السائد فى سوق الفوركس ، الذى يضاعف القيمة الشرائية إلى أكثر من مائة مرة ، ما يمكن المضارب بألف دولار مثلاً عن المضاربة على مئة ألف ، من ذات العملة ، ما حمل نحو إثنا عشر سعودى وخليجى على التوسع فى هذا اللون من المضاربات ، بحوالى عشر مليارات دولار شهرياً (!) ، وهو ما قلص من حجم السيولة المالية فى أسواق الأسهم الخليجية والسعودية ، على وجه الخصوص ، بحيث بدت " صناديق الاستثمار " محض شواهد بائسة على ترنح هذه الأسواق ، أكثر منها أدوات فاعلة فى ازدهارها ، رغم ارتفاع أعدادها لأكثر من مئة صندوق ، وتنوع أهدافها ، وتحرر أنشطة بعضها من القيود الدينية ، التى يزعم مديروها أنها تتصل بالمشروعية الإسلامية فى المعاملات الإسلامية ، ولاسيما الصناديق التى تديرها إدارات أجنبية فى السوق المالية السعودية ، سواء كانت بالريال السعودى أو الدولار الأمريكى أو اليورو .. إلخ ، ومنها : مورغان ستانلى ، جلوبل – النور ، أى . إف . جى ، رنا ، النمو الاندفاعى الأمريكى ، الرزين ، المؤشر السعودى ، والتى تتنوع أنشطتها بين ما يسمى : تنمية رأس المال ، ونمو الدخل ، والمحافظة على رأس المال .
ويبدو أن الانتكاسات التى تعرضت لها هذه الصناديق فى أسواق الأسهم السعودية ، كانت هى المبرر الظاهر لمجموعة العليان السعودية للدخول مع المجموعتين القطرية والإسرائيلية فى تأسيس صندوق : إيبك ، للعمل فى أسواق أخرى ، فى الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ، وعبر الإدارة السويسرية ، ممثلة فى : بنك كريدى سويس ، كما سلف القول .
بيد أن إقدام مجموعة العليان ، هذه ، على تلك الخطوة ما كان لها أن تتم ، لولا الضوء الأخضر ، من العائلة السعودية الحاكمة ، والتى تُشكل مع عائلة العليان ، وغيرها من العائلات المتنفذة ، فى هذه المملكة (طُغمة) مهيمنة على شتى مناحى الحياة بها .
فالطغمة – كما يعرفها القاموس الفرنسى – تعنى " نظام سياسى تكون السلطة فيه بين أيادى بعض العائلات القوية " ( ) ، وهو ما جعل الطغمة السعودية جزءاً موضوعياً من الطغمة العالمية ، بحسب إفادة الكاتب والصحفى الفرنسى الشهير : هرفى كيمف ، الذى يرى أن : "الكوكب اليوم محكوم بواسطة طغمة تراكم من الدخول والملكية والسلطة بجشع لم نر له مثيلاً منذ (زمن) البارونات (من) اللصوص الأمريكيين فى نهاية القرن التاسع عشر ( ) .
وها هنا يمكن تفسير انخراط مجموعة العليان مع الإسرائيليين فى صندوق إيبك العالمى ، دون أدنى اعتراض من العائلة السعودية ، وذلك فى ضوء ارتباط الطبقة التجارية (المحلية) بطيب خاطر مع الشبكات التى تسيطر عليها الأسرة الحاكمة لاسيما وأن هذه الأسرة تضمن لها – أى لتلك الطبقة – احتكار الأنشطة المالية والاقتصادية بصفة قانونية " ( ) .
ذلك هو – إذاً – الإطار الذى تتحرك فيه المجموعة السعودية مع الإسرائيليين ، عبر صندوق: إيبك ، وهو ما يستدعى استيفاء طبيعة النظام الاقتصادى والمالى الدولى ، الذى سيعمل هذا الصندوق من خلاله ، كجزء من اندماج رأس المال السعودى فى بنية رأس المال الدولى ، وهو ما يمثل محوراً أول ، من هذا البحث ، فيما يرصد المحور الثانى : محطات التعاون والتلاقى السرى وشبه العلنى – ولاسيما على المستوى السياسى – بين السعوديين والإسرائيليين ، طوال العقود الفائتة ، كونها – أى هذه المحطات – شكلت الرافعة الفعلية لهذا اللون من المشاركة المالية العلنية ، بين واحدة من أكثر العائلات السعودية ثراءً وبين أخرى من أبرز المجموعات الإسرائيلية نشاطاً ، على النطاق الدولى .
1 – السعودية والتدويل المالى والشركات متعدية الجنسية :
فى معرض تحليله لواقع النظام الاقتصادى والمالى الدولى ، فى زمان ما بات يعرف اليوم بـ: العولمة ، يقول الخبير الاقتصادى الراحل : إسماعيل صبرى عبد الله ( ) : " لقد تحولت الرأسمالية العالمية من الرأسمالية القومية إلى رأسمالية ما وراء كل الحدود القومية " .
ويعزو عبد الله هذا التحول إلى ظهور ما أسماه " فاعليات جديدة تستهدف هذه الآفاق وتلك وهى ما يسمى " الشركات متعددة الجنسيات " .
إلا أن عبد الله يرى أن هذه الشركات ليست – فى الواقع – متعددة الجنسيات ، بل متعدية للقوميات ، بحسب ما يفيد مقطع Trans الذى يستخدم فى نحو اللغات الأوروبية اسماً للفعل المتعدى فى لغة العرب .
كما يستند عبد الله إلى " تقرير الاستثمار فى العالم " ، والصادر عن قسم الشركات فى الأمم المتحدة ، فى العام 1992 ، لتعزيز توصيفه هذا ، حيث يقول التقرير فى أول سطوره : "لقد أصبحت الشركات متعدية الجنسية المنظم المركزى للأنشطة الاقتصادية فى اقتصاد عالمى يتزايد تكاملاً " ( ) .
لكن ، عبد الله يخالف ما تشيعه الدوائر المرتبطة بهذه الشركات ، بوصفها مصدراً للإستثمارات فى بلدان العالم ، وساخراً مما أسماه توهم " .
" كثير من أبناء العالم الثالث أن تحت يدها خزائن قارون ، فإذا دللناها تدفق الخير العميم . وواقع الأمر يختلف جذرياً عن ذلك لأن تلك الشركات فى حاجة مستمرة للحصول على تمويل متزايد ، ونقطة البدء فى التحليل هى أن كلاً من تلك الشركات ينظر إلى العالم كسوق واحدة. وكأى شركة ، تسعى الشركة متعدية الجنسية لتعبئة مدخرات من تلك السوق فى مجموعها " . وهو ما حدده عبد الله على النحو الآتى ( ) :
أ – كما تعتمد كل شركة مساهمة جادة فى الأساس على بيع أسهمها إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد فى حدود سوقها القومية ، تطرح الشركة متعدية الجنسية أسهمها فى كل الأسواق المالية الهامة فى العالم : طوكيو – زيورخ – فرانكفورت – ميلانو – باريس – لندن – نيويورك ، بل وكذلك فيما يسمونه " الأسواق الناهضة " : هونج كونج – سنغافوره – بومباى .. إلخ ، وبالتالى يمكن مثلاً أن نقول إن مصريين مقيمين فى وطنهم يملكون أسهماً فى شركات متعدية الجنسية ، فإجمالى رصيد استثمارات هؤلاء المصريين فى أوروبا وأمريكا يزيد عن مائة مليار دولار ، ولابد أن جزءاً من هذا المبلغ موظف فى حوافظ أوراق مالية لدى بنوك البلدان المتلقية لتلك الاستثمارات ، وأى حافظة أوراق مالية تتضمن بالضرورة أسهماً لشركات متعدية الجنسية نظراً لما يفترض فى تلك الشركات من ملاءة مالية ، ونضيف هنا أن تلك الشركات تصدر أسهماً جديدة عقب كل عملية اندماج أو انتزاع استباقاً للعوائد الإضافية التى تترتب على وضع الشركة الجديد ، وهكذا تعبىء مدخرات محلية فى بلد مقرها القانونى وبعض البلدان الأخرى ، ومن الأمثلة على ذلك ما أسمته السيدة مارجريت تاتشر "الرأسمالية الشعبية" حين قررت طرح 50% من أسهم بعض الشركات خصصتها لصغار المدخرين ، فقد كان القصد الحقيقى توفير تمويل إضافى دون تأثير على سلطة القرار فى الشركة المعنية (ليس للمساهمين الكثيرين المتفرقين أى دور فى الجمعية العمومية أو فى مجلس الإدارة كما هو معروف) ، كما أن هذا الانتشار الواسع لحاملى الأسهم يعنى عدم قدرة معظمهم على حضور الجمعية العمومية للشركة ، وبالتالى يمكن أن يسيطر عليها تماماً جماعة تملك 10 – 15% من إجمالى الأسهم .
ب – تعتمد الشركات متعدية الجنسية عند الإقدام على عمليات كبرى مثل شراء أسهم شركة منافسة بالقدر الذى يسمح بالسيطرة على إدارتها إلى الاقتراض من البنوك متعدية الجنسية بمعدلات عالية تقدر بمئات الملايين من الدولارات ، ونحن نعرف أن البنك يقرض أساساً مما لديه من ودائع ومدخرات القطاع العائلى (أى مدخرات الطبقات الوسطى) ، وهكذا رأينا بنكاً يابانياً يوفر قرضاً لشركة متعدية الجنسية مقرها فى الولايات المتحدة لتشترى شركة أخرى أمريكية المقر أيضاً ، كما أن هذه الشركات تستقطب الجزء الأعظم من تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر وتوجهه أساساً إلى أسواق الدول الصناعية التى تمثل ثلاثة أرباع السوق العالمية (رغم أن سكانها لا يزيدون عن 18% من سكان العالم) ، وهكذا تستحوذ الاستثمارات المتبادلة بين تلك الأسواق على أكثر من ثمانين بالمائة من المتوسط السنوى للاستثمار الأجنبى المباشر .
ج – من القواعد الأساسية فى الشركات متعدية الجنسية إلزام كل شركة تابعة بأن توفر محلياً أقصى ما يمكن من التمويل اللازم لها ، ويتم هذا بأشكال مختلفة منها المشروعات المشتركة، طرح أسهم فى السوق المالية المحلية ، الاقتراض من الجهاز المصرفى المحلى .. إلخ ، وكما رأينا فى أسلوب التعاقد من الباطن يمكن ألا تساهم الشركة متعدية الجنسية فى رأس مال الشركة التابعة إذا شيدت المشروع على نحو يجعل الشركة التابعة تعتمد على الشركة الأم (أو إحدى شركاتها التابعة) فى استيراد الآلات وقطع الغيار وبعض مستلزمات الإنتاج الهامة أو بعض مكونات إنتاج السلعة محل نشاط الشرطة التابعة ، فهنا لا تهتم الشركة الأم كثيراً بالربح الذى تحققه الشركة المحلية لأنها تنقل مناسبة تحقيق الربع من عملية بيع المنتجات إلى عملية توريد ما يلزم الشركات التابعة من hardware (آلات وقطع غيار ومواد) software (المعرفة الفنية والتنظيمية والإدارية) كما يمكن أن تحقق ربحاً إضافياً إذا اشتغلت بتسويق منتجات الشركة التابعة خارج سوقها المحلية ، ولعل أهم ما يحصل عليه القطر المضيف للشركة التابعة يكمن فى استغلال نفوذها لدى بعض الحكومات الغربية لتقدم للقطر منحاً أو قروضاً ميسرة ، وتغطى المنح عادة تكلفة الدراسات اللازمة لإقامة المشروع ، كما تعطى القروض الميسرة جزءاً من تكاليف إقامة المشروع أما الجزء الهام الذى يتمثل فى تشييد المشروع حتى تسليم المفتاح فإن الإقراض لتمويله يكون عادة بسعر الفائدة السائد فى الأسواق العالمية ، ومن هذا المنظور ترحب الشركات متعدية الجنسية عادة بالمشروعات المشتركة مع القطاع العام ، فمادام الربح المنتظر من إنتاجه لا يعنى الشركة لأنها تنقل الربح إلى مرحلة سابقة للإنتاج فلماذا لا تتقاسمه مع الحكومة وتكسب بذلك تحسين مشاعر المواطنين إزاء الشركات الأجنبية .
وبحسب أحدث بيانات عن مكانة هذه الشركات فى اقتصاد العالم نشرت مجلة " فورشن " فى يوليو 1998 عن أكبر خمسمائة شركة فى العالم ما يلى :
1 – يبلغ إجمالى إيرادات تلك الشركات الخمسمائة (11454) أحد عشر تريليون وأربعمائة وخمسون مليار دولار ، وعلى سبيل المقارنة نجد أن مجموع الناتج المحلى الإجمالى لدول العالم فى السنة السابقة (1997) كان أكثر قليلاً من 28 تريليون دولار ، وكان الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة الأمريكية سبعة تريليون وسبعمائة وخمسة وأربعون وتسعة مليار دولار ، وهكذا يمثل رقم إيرادات الشركات المذكورة (وليس كل الشركات متعدية الجنسية) 149% من الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة و45% من الناتج المحلى الاجمالى للعالم كله ويعادل من ناحية أخرى 194% من مجموع الناتج المحلى الإجمالى لكل بلدان العالم الثالث ، وإذا أخذنا فى الاعتبار بقية الشركات متعدية الجنسية يمكن أن نقول دون احتمال خطأ كبير أن إيرادات هذه الشركات أكثر من نصف الناتج المحلى الإجمالى فى العالم . أما قيمة الأصول فكانت 34.2 تريليون دولار وعدد العاملين 36.8 مليون عامل وصافى الأرباح 452.1 مليار دولار .
2 – ويوضح التوزيع الجغرافى للخمسمائة شركة بين الأقطار التى بها مقر الإدارة العليا لكل شركة علاقات القوى فى اقتصاد العالم ، وتبين بيانات فورشن التوزيع الآتى لما يسمى home countries بالمقابلة مع host countries والذى يسقط الجنسية الواحدة عن أى شركة ، فالمقر القانونى لا يعنى بالضرورة وجود الجزء الأكبر من نشاط الشركة فى هذه الدولة .
وفيما يلى التوزيع حسب دول المقر فى 1997 :
- الاتحاد الأوروبى 150 شركة + سويسرا 12
- الولايات المتحدة 175 + كندا 8
- اليابان 112 شركة + كوريا الجنوبية 12 وتايوان 1
وبحسب تحليلات عبد الله أيضاً فإن القطاع المالى يمثل جانباً أساسياً من تلك الأنشطة الكوكبة( ) ، فبين الشركات الكوكبية فى قائمة " فورشن " نجد 69 بنكاً كوكبياً منها 58 مقرها الأصلى فى واحدة أو أخرى من تلك المجموعة ، بالإضافة لذلك نجد فى القائمة المذكورة خمس شركات كوكبية تشتغل بالأعمال المالية مقارها جميعاً فى نفس المجموعة ، وفى نشاط التأمين بأنواعه المختلفة تذكر القائمة 47 شركة منها 37 داخل مجموعة السبع ، وفى مجال التخصص فى عمليات الاستثمار وأدواته نجد أربع شركات منها ثلاث فى الولايات المتحدة ومقر الرابعة هونج كونج ، ومعروف أن النشاط المالى يلعب دوراً جوهرياً فى تجميع المخدرات وتوزيع الاستثمارات وفى أسواق صرف العملات والسوق النقدية العالمية والبورصات الكبرى التى تشكل فى الواقع سوقاً واحدة مفتوحة للتعامل طوال الأربع وعشرين ساعة ، ونظراً لكثرة الحديث عن ثورة الاتصالات ، تورد قائمة " فورشن " أسماء 22 شركة كوكبية منها 19 فى دول مجموعة السبع ، وفى مجال ثورة المعلومات تتضمن القائمة المذكورة تسع شركات منتجة للحاسوب وما يلزمه من برمجيات منها ثلاث من اليابان والست الأخرى من الولايات المتحدة ، ومن الجلىّ أن ما هو ملحوظ من زيادة نصيب قطاع الخدمات فى تكوين الناتج المحلى الإجمالى فى الدول الصناعية يرجع إلى الأنشطة التى عرضناها للتو.
توزيع مجموع الناتج المحالى الإجمالى فى العالم (نسب مئوية)
1965 1988 1995
الدول الصناعية السبع الكبرى 69.7 69.4 67.4
دول العالم الثالث 15.5 14.8 13.4
بقية الدول الأوروبية والصين 15.3 15.8 19.2
المصدر : حسبت هذه النسب أساساً من بيانات البنك الدولى فى تقارير التنمية فى العالم مع مراجعة أرقام أخرى منشورة فى مجلة OECD Observer (أعداد مختلفة) .
ويتضح من هذا الجدول ظاهرة الاستقطاب بين الفقر والثراء فى عصر الكوكبة والتنمية المُدعاة ، فنصيب العالم الثالث من مجموع الناتج المحلى الإجمالى للعالم فى تراجع منتظم . وهذا لا يتنافى مع واقع النمو الاقتصادى القوى فى عدد محدود من دوله والمتواضع فى معظمها ونمو سالب فى عدد آخر ، وعلى أية حال فإن الفجوة بين الشمال والجنوب تزايدت وكان المأمول أن تضيق ، والتراجع المحدود فى نصيب السبع الكبار كان لصالح دول صناعية (بقية أوروبا) وكذلك الصين .
أما عن مكان العرب فى هذا كله ، فقد جاء بالتقرير الاقتصادى العربى الموحد (1996) أن مجموع الناتج المحلى الإجمالى للدول العربية بلغ 528.7 مليار دولار فى 1995 ، وهذا الرقم يمثل 1.9% من مجموع العالم ، على الرغم من أن الوطن العربى يضم 4.4% من إجمالى سكان العالم (!) .
وينعكس هذا الاستقطاب المتزايد – بالطبع – فى تراجع مكانة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وتصاعد سلطة الثلاثى الذى يهدر قاعدة صوت واحد لكل دولة وبالتالى تخضع لسيطرة الدول السبع الكبار فى إطار أيديولوجية السوق : البنك الدولى ، صندوق النقد الدولى، منظمة التجارة العالمية ، على حد تعبير عبد الله، مشيراً إلى أننا بصدد قانون يحكم المعاملات الدولية فى السلع والخدمات والأموال (جات 1994) ، لذا ، فمن العسير للغاية على أية دولة – مهما كبر حجمها أو ثقلها الاقتصادى – أن تخرج عليه دون خسارة فادحة ، وبالإضافة إلى هذا " الدستور " تعد منظمة التجارة العالمية مشروع قانون دولى للاستثمار الأجنبى ، وتطرح للمناقشة فكرة قانون دولى للعمل ، وإلى جانب هذه السلطة التشريعية التى تمارسها المنظمة توجد لها سلطة قضائية للفصل فى المنازعات المتعلقة بتنفيذ اتفاقية جات 1994 ، وهى تسميها هيئة التحكيم ولكنها تسمى الأفراد الذين يشكلونها " قضاة " كما أنها تحتكر أعمال التحكيم لأنه إجبارى بنص الاتفاقية ، وأخيراً لديها شرطة إذ تنص الاتفاقية على لجان فحص الأداء والالتزام بأحكامها تفتش فى شئون كل عضو فى المنظمة مرة كل خمس سنوات . وهكذا تضع الرأسمالية الكوكبية قواعد التعامل الدولى والداخلى التى ترضيها . ولكن "أيديولوجية السوق" هذه مكنت نشاطاً خطيراً هو المضاربة فى البورصات العالمية مع الإفلات من كل أشكال الرقابة ، حيث يبلغ التعامل اليومى أحياناً تريليون دولار ، فى حين أن حجم التجارة الدولية تصديراً واستيراداً لا يتجاوز 7 تريليون فى العام (1997) . وفى هذه المضاربات تتجمع ثروات تقدر بعشرات المليارات لا يقابلها أى إنتاج عينى (!) .
وتعتمد المضاربة أساساً على قروض البنوك ، ولكنها لا تخضع لسلطة سياسية عى أى مستوى منذ شارك القطاع الخاص الدولة فى عملية خلق النقود بما يسميه الاقتصاديون أحياناً "النقود الكتابية " لأنها لا تتجسد فى معدن أو ورق البنكنوت ، وهى الآن تتمثل فى علامات حاسوبية أو بطاقات ائتمان .
وهكذا يتبين أن آليات الكوكبة تعمل أساساً لصالح الشركات الكوكبية أو متعدية الجنسية . ولكن هذه الشركات نشأت بالضرورة حيث كانت الرأسمالية مستقرة راسخة الأقدام ، وحيث توافرت البنى التحتية المادية والمالية والاتصالية ، وحيث استفادت من تمويل الدولة الضخم للبحث العلمى والتكنولوجى ، وتوافرت العمالة المؤهلة وبلغت إنتاجية العمل أعلى المستويات. كما أنه من المعروف أن أكثر من ثلثى تدفقات رأس المال إلى أخرى تركز خلال أربعة عقود فيما يمكن أن نسميه الاستثمار المتبادل بين الدول السبع المذكورة ، وهذا التركز على مستوى اقتصاد العالم كله كان أساساً لصالح القوى التى حققته ، كما أن له ثمناً كبيراً فى داخل مجتمعات تلك الدول يتمثل فى نسب بطالة عالية وتزايد عدد من يعيشون تحت حد الفقر وقد تعروا من غطاء التأمينات الاجتماعية .
بيد أن المستودع الكبير لفقراء هذا الكوكب – برأى عبد الله – هو العالم الثالث الذى تراجع نصيبه من الناتج المحلى الإجمالى للعالم خلال العقود الثلاث الماضية كما رأينا بالأرقام . وبرغم أيديولوجية السوق وسياسة الليبرالية الجديدة ، ألزمت ظاهرة استمرار الفقر فى العالم وتزايد أعداد الفقراء بانتظام البنك الدولى بأن يتخلى عن واحدة من أهم مسلمات الليبرالية وهو ما يسمى " مفعول التساقط " ، ومقتضاه أن تزايد ثراء الأغنياء سيصفى تلقائياً وتدريجياً ظاهرة الفقر لأن الغنى المتزايد يعنى تزايد الاستثمار وخلق أعداد متصاعدة من فرص العمل بحيث تنحصر البطالة وما يترتب عليها من فقر فى الكسالى والمعوقين ، وهذا ما يمكن أن يعالج بفعل الخير أى ما يتبرع به الأغنياء ، وفى هذا الإطار المفهومى ليس للدولة دور يذكر فيما وراء حفظ النظام ، وقد تبنى البنك بالتالى ضرورة التصدى المباشر لحل قضية الفقر وأن يكون بين مكونات السياسة الاقتصادية لكل دولة إجراءات تخفف من وطأة الفقر على المجتمع. وقد دفع هذا التوجه إدارة البنك إلى محاولة حصر أعداد الفقراء وتصنيف درجات الفقر . وذلك فى ضوء فرضيات البنك والقائلة أن المعدم هو من يحصل على دخل يقل عن دولار واحد فى اليوم محسوباً على أساس مقارنة القوة الشرائية للدولار بالقوة الشرائية لما يقاله من سعر صرف العملة المحلية ، أو ما يسمى تعادل القوة الشرائية للعملتين كل فى سوقها ، وقدر فى 1995 أن عدد المعدمين فى العالم 1180 مليون نسمة ، ورأى خبراؤه أن ثمانين مليون منهم سيتجاوزون هذا الحد إلى أعلى فى حدود عام 2000 ، وأضاف أنهم سيكونون من الآسيويين وسكان أمريكا اللاتينية ، أما " أفريقيا والشرق الأوسط " فقد توقعوا لها زيادة ملموسة فى أعداد المعدمين ، وإذا ارتفعنا عن الدولار الواحد فى اليوم إلى ثلاثة دولارات فى اليوم (أى 1092 دولار متوسط دخل الفرد سنوياً) نجد أن متوسط دخل الفرد أقل من ذلك فى 57 دولة (وفقاً لبيانات تقرير التنمية فى العالم 1997) وهى تضم 3576.6 مليون نسمة ، أى 63% من إجمالى سكان كوكبنا ، وكل هذه الدول فى قارات الجنوب فيما عدا ثلاث أوربيات لا يتجاوز إجمالى سكانها 10 مليون (مولدوفا ، مقدونيا ، ألبانيا) ، ومنها بالطبع دول عربية كثيرة (اليمن ، موريتانيا ، السودان ، مصر ..) ، ونظراً لأنماط توزيع الدخل القومى السائد ليس أفقر من فقراء الدول الفقيرة ، وهذا يعنى أن الدول التى يتجاوز متوسط دخل الفرد فيها مبلغ 1092 دولار تضم أعداداً كبيراً من الفقراء .
تلك هى – إذاً – الدول التى تضم ما يسمى : الأسواق الناشئة ، كى يتوجه إليها السعوديون وأقرانهم الإسرائيليون والقطريون عبر صندوق : إيبك ، لاستنزاف مدخراتها ، لحساب الشركات متعدية الجنسية ، من خلال إحدى مكوناتها المصرفية الذائعة ، أى بنك : كريدى سويس ، والكائن مقره الرئيسى على بعد خطوات من منتجع : ديفوس ، حيث الاجتماعات السنوية لأقطاب الشركات الكوكبية ، وممثلى الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى ، والتى باتت تعرف بـ : مؤتمر المنتدى الاقتصادى العالمى ، حيث تسوء على أجوائه – دوماً – كما تقول صحيفة " النيوزويك تايمز " الكآبة ، فبسبب " التقلبات والاهتزازات – كما يقول براترند بادى- لم يعد هذا الزمان " زمان الاحتفالات الكوكبية " .
ويضيف : " كانت القضية الأساسية لمنتدى دافوس الاقتصادى العالمى هى بناء الثقة " وهو أن قادة البشرية ، كما يحلو لهم أن ينعتوا أنفسهم فى الأيام الخوالى ، يدركون أنهم الآن يواجهون مشكلة خطيرة ، إن استطلاعات الرأى المنشورة مؤخراً توضح أن الثقة فى هذه القيادات تتراجع على نحو خطير ، بينما لا يتمتع بثقة الغالبية الواسعة سوى قيادات المنظمات غير الحكومية ، ويليهم الأمم المتحدة ، ثم القيادات الروحية والدينية ، ويأتى بعد ذلك زعماء أوروبا الغربية والمديرون الاقتصاديون ، وبعدهم القيادات التنفيذية للشركات الكبرى ، وفى القاع يأتى قادة الولايات المتحدة الأمريكية ، بثقة تبلغ حوالى 25% ، وهو ما يعنى فى الواقع عدم وجود ثقة ، فعادة ، حينما يسأل الناس عما إذا كانوا يثقون فى القادة الذين يتولون السلطة، يجيبون بحكم العادة : " نعم " .
بيد أن العولمة ( ) – تلك الكلمة الطنانة الحديثة – تعد أكثر الموضوعات التى تستقطب الاهتمام ، بل وتثير الخوف فى الدراسات التنموية المعاصرة ، فهى تمثل لكل شعب دلالة مختلفة ، فالبعض يفسر العولمة على أنها الاتجاه فى الليبرالية الاقتصادية والتكامل الاقتصادى والتدفق الرأسمالى الحر ، بينما يفهمها البعض على أنها تغريب ، بل وأمركة للثقافات والنظم الاجتماعية ، ولكن الجميع يتفقون على الاعتراف بأن التدفق الرأسمالى الحر يعد أهم السمات المميزة لعملية العولمة المعاصرة .
ويعتبر التكامل الاقتصادى أهم عناصر هذه العملية ، حيث إن رأس المال الذى يعبر الحدود ، فى الوقت الراهن ، ينتقل بسرعة هائلة وبأحجام ضخمة ، حيث تبلغ قيمة المعاملات التجارية الدولية اليومية نحو تريليون دولار أمريكى ، ويمثل حجم التدفق الرأسمالى المتعلق بالمضاربة نحو 90% من إجمالى هذه المعاملات ، أى أنه لا يشكل أى استثمار فى الاقتصاد الحقيقى (شبكات العالم الثالث) ، ويمثل هذا التدفق – الذى يتحكم فيه القطاع الخاص أساساً – تهديداً لاستقرار الاقتصاديات ، ولاسيما اقتصاديات الدول النامية ، كما تعتبر الهيمنة الاقتصادية للعمالقة أكبر تهديد يواجه العالم اليوم ، حيث إن مصالحهم الحقيقية تتمثل فى تحقيق مبدأ الربح الأقصى ، وتلقى افريقيا المزيد من التهميش من جراء هذه العملية المجحفة ، كما ينتظرها المزيد من الخسائر فى السنوات القادمة (تاندون ، 1999) .
إن أبرز آثار العولمة تبدو على الصعيد الاقتصادى ، فالدافع للتوجه نحو الليبرالية – التى تم اعتبارها العلاج الاقتصادى الناجع لمعظم الدول – عمل على هدم الحواجز التجارية وفتح الاقتصاديات (تشوسودوفسكى ، 1999) ، وأخذت الحواجز القانونية وغيرها فى التساقط تاركة الاقتصاديات تحت رحمة المضاربين ، كما قدم نظام تعويم العملات ومعدلات الفائدة فرصاً عظيمة لمراكمة الثروات دون القيام بأى نشاط اقتصادى حقيقى (سوليمانو ، 1999 – وشبكات العالم الثالث 1999) ، وتركز رأس المال فى أيد قليلة ، وامتلكت الشركات العملاقة أو المتعدية الجنسيات سلطات هائلة ، فضلاً عن أن رأس المال لا يتم استثماره من خلال أنشطة اقتصادية حقيقية يمكنها أن تزيد من السعة الإنتاجية على مستوى العالم ، فالواقع أن قطاعى العمل والصناعة تأثرا سلبياً ، نتيجة لانحدار الصناعات نحو عمليات هزيلة ومحدودة.
وتعتبر الشركات المتعدية الجنسيات ، وبنوك الشمال المشاركة فى أنشطة متعلقة بالمضاربة ، مسئولة عن تهديد استقرار اقتصاديات العديد من الدول ، حيث إن كل هذه الثروات المتراكمة تم تحقيقها من خلال تلك المعاملات ، ووضع العديد من الدول فى مواقف لا تسمح لها بسداد التزاماتها الخاصة بميزان المدفوعات ، فى حين أن هذا الدعم تموله نفس الشركات المتعدية الجنسيات والبنوك التى تسببت فى إحداث الأزمة ، وتضطر تلك الاقتصاديات المتعثرة إلى بيع أصولها وقروضها الميتة بنسبة 10% من قيمتها إلى نفس البنوك والشركات المتعدية الجنسيات .
والبناء الاقتصادى القائم حالياً يبيح التراكم ، ويحمى حقوق الملكية الفردية قبل كل شىء ، ويفتقد إلى آليات إعادة التوزيع اللازمة لتحقيق توزيع أكثر عدلاً للموارد ، فالنموذج السائد فى أوروبا والولايات المتحدة – والذى تحتذيه معظم الدول النامية – يعمل على حماية الفرد ، ولذا فهو لا يعير اهتماماً لآثار السلوك الفردى على المجتمع ككل ، وبهذا فإن الأفراد بإمكانهم مراكمة الثروات بقدر ما يرغبون ، أو ما يقدرون عليه ، على حساب الآخرين .
وبالنظر إلى الانقسام الشمالى / الجنوبى فى هذه الحرب الاقتصادية ، فإنه من الواضح تماماً أن الشمال هو المستفيد من هذه العملية على حساب بقية العالم بأسره ، فمعظم الشركات المتعدية الجنسيات إما من الولايات المتحدة أو أوروبا أو اليابان ، ولا يوجد سوى شركة واحدة فقط من بين أكبر ثلاثين شركة فى العالم تنتمى إلى دولة صناعية حديثة وهى كوريا . وهذا النمو والتراكم اللذان يشهدهما الشمال ليسا عرضيين ، وإنما هما نتاج عملية تتم منذ خمسة قرون على الأقل ، فقد كانت آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية مصادر الثروة ورأس المال اللذين قامت أوروبا ومن بعدها الولايات المتحدة بمراكمتهما ، وهما اللذان قاما بإرساء القاعدة التى قامت عليها الثورة الصناعية ، وبعد استعمار تلك القارات – ولاسيما أفريقيا – قدمت تلك القارات المزيد من الموارد لأوروبا ، وما يتم اليوم ليس إلا تعزيز لهذا الوضع المناسب للدول الصناعية عن طريق وسائل اقتصادية وقانونية وبالتأكيد فإن أولئك المستفيدين من هذا الوضع يرحبون تماماً بالتغييرات التى طرأت ، ويجتهدون فى تبريرها استناداً إلى المبادىء التى تروج لها النظرية الكلاسيكية المحدثة .
إن التكامل الذى يشهده الاقتصاد العالمى ، والذى لا يصاحبه سوى نمو فى سوق واحدة فقط يعتبر أخطر عملية يشهدها العالم اليوم ، فآليات السوق تدعى أنها تتيح فرصاً متكافئة للجميع ، بينما هى فى الواقع لا تقوم إلا بدعم الاتجاه السائد فى القرون الأخيرة (ماهاتير ، 1996) . فوضع الدول الفقيرة لا يسمح لها إطلاقاً بمواجهة النفوذ القوى لعمالة السوق ، فبعد نحو ثلاثين عاماً من قيام الحركة التى دعت إلى السماح للأسواق بالقيام بدور أكبر فى التنمية الاجتماعية ، اضطر دعاة هذه الحركة أنفسهم إلى الاعتراف بأنها لم تحقق ما كان متوقعاً منها، وأنها ليست الوسيلة المناسبة للتخلص من ويلات الفقر التى يعانى منها العالم الآن . وقد صرح بريان آتوود ، رئيس الوكالة الأمريكية للمساعدات الأجنبية بأن الحقيقة المحزنة والخطيرة أيضاً هى أن العولمة والحركة الداعية لقيام اقتصاديات الأسواق الديمقراطية لم تساعدا على تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء ، فمعظم التغيرات التى نشهدها تطرأ على الطبقات التى لاتزال تحكم فى تلك المجتمعات ، والتى تزعم أن هذه التغيرات تعمل على دعم الإصلاح الذى يحقق المساواة (الأسوشيتدبرس ، 1999) ، والحقيقة هى أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء فى اتساع مستمر ، بينما تتدفق مئات البلايين من الدولارات سنوياً من الجنوب إلى الشمال (أكود ، 1999) .
2 – التعاون السعودى الإسرائيلى : محطات قديمة وحديثة :
إن العلاقات السعودية- الإسرائيلية عميقة الجذور، وقد ظلت خافية، حتى ظهرت إلى العلن خلال حرب الخليج الثانية "الحرب العراقية- الكويتية"، ويمكن القول إن أول لقاء سعودي - صهيوني يعود تاريخه إلى عام 1939، عندما عقد بلندن مؤتمر حول القضية الفلسطينية حضره الأمير فيصل، الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية، حيث اجتمع الأمير السعودي عدة مرات، منفردا بالوفد اليهودي في المؤتمر، إذ كان الملك عبدالعزيز يبذل قصارى جهده لتوطيد علاقاته بالأمريكان، وبمرور الوقت، وعندما أصبحت القضية الفلسطينية أكثر التهابا، نجح الأمريكان في إقناع الملك عبدالعزيز بالتحايل اللفظي، من أجل التخلص من المسئولية التاريخية، وذلك بإصدار بيان شديد اللهجة ضد اليهود، ولكن دون أي تعهد من جانبه بالعمل ضدهم، وقد ظهر ذلك بوضوح في حرب عام 1948، واستمر هذا الموقف ليكون أساسا للسياسة السعودية حول القضية الفلسطينية، مجرد بيانات فارغة، ومسايرة للرأي العام العربي لكن من دون أي التزام.. فكثيرا ما نسمع تهديداً ووعيداً من قبل الصهاينة لمصر بعد "كامب ديفيد"، وربما كان أشهر تهديد كان من قبل "ليبرمان في عام 2001"، عندما توعد بضرب السد العالي في مصر وإغراق المصريين؟!.. لكن هل سمعنا في يوم ما من قبل أو بعد، بأن إسرائيل قد هددت أو توعدت، أو استفزت "آل سعود"، علماً بأن لإسرائيل حدوداً بحرية قريبة جداً، ومشاطئة بالسعودية؟!.
ونقلاً من مذكرات "جاييم وايزمان"، أول رئيس للكيان الصهيوني بالأراضي المحتلة، فإن "تشرشل" رئيس الوزراء البريطاني قال له: أريد أن أرى ابن سعود سيداً على الشرق الأوسط، وكبير كبراء هذا الشرق، على أن يتفق معكم أولاً - يا مستر حاييم - ومتى تم هذا، عليكم أن تأخذوا ما تريدون منه، كما قال تشرشل: إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول، والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته.
وذكر "ناصر السعيد في كتابه تاريخ آل سعود" أنه قبل "وعد بلفور" كتب الملك عبد العزيز اعترافاً يجعل فلسطين وطناً لليهود" يقول نصه "أنا السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل السعود.. أقر وأعترف ألف مرة للسير "بيرسي كوكس" مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما ترى بريطانياً التي لا أخرج عن رأيها، حتى تصيح الساعة.. فحينما أرسل الملك عبدالعزيز ابنه الأمير فيصل، ومن قبله الأمير سعود، قبل أن يصبحا ملكين، إلى القدس للتأكد من إيقاف الثورة الفلسطينية، خدمة لصديقته بريطانيا، وتمكيناً لقيام دولة اليهود، اجتمع الأمير فيصل بقيادة فلسطين في القدس الشريف، وقال لهم حرفيا: "حينما أرسلني والدي عبدالعزيز في مهمتي هذه إليكم فرحت فرحتين: الفرحة الأولى كانت من أجل زيارة المسجد الأقصى، والصلاة في بيت المقدس، أما الفرحة الثانية فكانت فرحتي بلقاء هؤلاء الثوار، لأبشّرهم أن جهودهم لم تذهب سدى، وأن ثورتهم قد أثمرت بإثارة اهتمام صديقتنا بريطانيا العظمى، التي أكدت لوالدي حينما رأت اهتمامه بفلسطين، إنها لن تخيب آمال الفلسطينيين، وبناءً على ما عرفته من صدق نوايا بريطانيا أستطيع أن أقسم لكم بالله أن بريطانيا صادقة فيما وعدتنا به، وأن بريطانيا تعهدت لوالدي أنها عازمة على حل القضية الفلسطينية".
لكن يبقى للمراقب الحق في التساؤل عما إذا كان الأمر مجرد قصر نظر وجهل بالسياسة الدولية، أم أنه يتعدى ذلك إلى حد الانخراط في دور مرسوم للاعبين صغار، ضمن لعبة كبرى؟!!.. حيث كان ذلك في عام 1936، عندما كانت فلسطين مستعمرة من قبل الإنجليز، وكان الشعب الفلسطيني آنذاك في حالة ثورة وتمرد وعصيان، وإضراب شامل استمر 183 يوماً، حيث لم يستطع الاستعمار وقتها إيقاف هذه الثورة، وإنما لجأ إلى أساليب القمع والسجون والتشريد، ولما عجزت عن كسر طوق ذلك الإضراب، حاولت الحكومة البريطانية في 8 مايو 1936 أن تخفّف من الاستياء الشعبي، بإيفاد لجنة تحقيق ملكية لتحري أسباب الثورة ووضع الحلول المناسبة، لكن عرب فلسطين رفضوا هذه اللجنة وحلولها، ثم لجأت إلى الأمير عبدالله حاكم الأردن لفك الإضراب، ومن بعده إلى ملك السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود، الذي بعث برسالة إلى الفلسطينيين، كتبها مستشاره جون فيلبي باسم القادة العرب، جاء فيها: إلى أبنائنا الأعزاء عرب فلسطين، لقد تألمنا كثيراً للحالة السائدة في فلسطين، فنحن بالاتفاق مع ملوك العرب والأمير عبدالله ندعوكم للإخلاد إلى السكينة، وإيقاف الإضراب، حقناً للدماء، معتمدين على الله وحسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل، وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم.
وكشفت تقرير لمجلة"آخر ساعة" المصرية أن هذه البرقية، هي التي استطاعت أن تجهض الروح الكفاحية العالية للشعب الفلسطيني، التي سادت طوال السنوات السابقة، كرد طبيعي وثوري على محاولات تهويد فلسطين، وذلك حين تمكن من أن يبدل الأسلوب الثوري، بأسلوب المساومة والتنازلات، بالاعتماد على نوايا الدول الاستعمارية، وهي نفسها التي خلقت إسرائيل.. لقد كان هذا النداء بمثابة المحاولة الأولى لسحب القضية الفلسطينية من تحت أقدام أبنائها، ودفع النضال الفلسطيني بعيداً عن مرتكزاته الفعلية.
إن العودة إلى هذه الجزئية في الموقف السعودي، لا تغني عن توثيق دقيق لمجمل المواقف والسلوك العام للمملكة تجاه القضية المركزية القومية، وتحالفها السري مع اليهود والصهيونية العالمية وذراعها الطويل إسرائيل، ولكنها تكشف جليا النسق السياسي المتكامل لحكم المملكة طيلة العقود الماضية، بل إنها تكاد تصف ما يجري اليوم بأساليب مختلفة، وتحت ستار كثيف من الدخان الإعلامي التضليلي، ويكفي التركيز على المبادرتين الصادرتين عن المملكة، باعتبارهما وثائق معلنة غير قابلتين للتشكيك والتفسير والنفي.
وخلال السنوات الأخيرة قامت إسرائيل، وبشكل متعمد، بفضح علاقاتها السرية مع آل سعود، للضغط عليهم، والدفع بعمليه التطبيع بينهما بشكل أكبر، ومما جاء بوسائل الإعلام الإسرائيلية وصحف الأرض المحتلة، التي رصدت الاتصالات السعودية- الإسرائيلية ونشاطات التطبيع، سواء على المستوى التجاري أو على المستوى الثقافي، وبطبيعة الحال لا تملك تلك الأخبار المنشورة إلا نذراً يسيراً من حقيقة العلاقات الاستراتيجية بين آل سعود والكيان الصهيوني.. فعلى مستوى الاتصالات السياسية والاستخباراتية، بدأت الصحف العبرية تتحدث بشكل جاد عن هذه الاتصالات منذ 1980، حيث كتب الخبير العسكري الإسرائيلي "هيرش جودمان" مقالا في صحيفة الجيروزاليم بوست في 12/ 10/ 1980 ذكر أنه كان هناك تفاهم واضح في المرحلة الأولى للتحالف الأمريكي-الإسرائيلي، وخصوصا في الفترة 1967-1973، تقوم إسرائيل بموجبه بالتدخل بالنيابة عن أميركا، إذا حدثت تغييرات في الأوضاع القائمة في الشرق الأوسط، أما المثال المهم، فيتعلق بإدراك آل سعود في الفترة 1967-1973 أنه إذا تحرشت مصر، المكتظة بالسكان والفقيرة والصديقة لموسكو، بالمملكة السعودية، القليلة السكان والمتخمة بالمال والمؤيدة للغرب بشدة، فإن حكام السعودية يعرفون أن إسرائيل ستتدخل للدفاع عنهم، لحماية المصالح الغربية.
وكشفت مجلة "هعولام هزة" بعددها الصادر بتاريخ 26/10/1980أن السعودية بعثت رسالة إلى إسرائيل، حملها وزير الخارجية التونسية محمد المصمودي عام 1976، واشتملت الرسالة على اقتراح من الحكومة السعودية ينص على منح إسرائيل مبالغاً طائلةً من الأموال، مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة، وفيما يلي أبرز مضامين الرسالة:
* تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وتوافق على إقامة دولة فلسطينية بزعامة المنظمة.
* جميع الدول العربية ومنظمة التحرير، تعترف بإسرائيل وتوقع اتفاقية سلام معها.
* تقدم السعودية منحة مالية لإسرائيل مقدارها 3 مليارات دولار.
وذكرت جريدة "دافار" بتاريخ 12/2/1986 أن عدداً من مقربي "شيمون بيريز" اجتمعوا مع اثنين من المبعوثين السعوديين في المغرب، وأشرف وزير الداخلية المغربي على ترتيب اللقاء، وقد قدم الإسرائيليون معلومات حول مخطط لاغتيال عدد من أفراد الأسرة السعودية المالكة.
وفي تعليقها على نشاطات المليونير السعودي "عدنان خاشقجي" نقلت صحيفة "دافار" بتاريخ 9/ /1 1987جاء فيه: إنني لا أؤمن بجدوى محاربة إسرائيل، وإن ذلك يعتبر هدراً للوقت والمال، وإن قرار السادات بفتح حوار مع إسرائيل كان قراراً شجاعاً، ولقد لعبت أنا شخصياً آنذاك دوراً مهماً جداً، والتاريخ سيتحدث عن ذلك مستقبلاً.
الجدير بالذكر أن علاقات الخاشقجي بإسرائيل بدأت منذ عام 1980، بواسطة سماسرة السلاح، وخاصة نقل السلاح لإيران من أمريكا، وذكرت جريدة الأنباء الإسرائيلية بتاريخ 2/1/1978أن عضو الكنيست "توفيق طوبي من كتلة حداش" وجه استجواباً إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، جاء فيه أن عدنان خاشقجي الملياردير السعودي مسجل في سجل ضيوف فندق بلازا في القدس المحتلة.
كما ذكرت جريدة "علهمشمار" بتاريخ 19/11/1987 أن الرئيس المصري حسني مبارك أبلغ وزير الطاقة "موشيه شاحل" أن الملك فهد ملك السعودية، هو الذي شجعه على تعزيز علاقات السلام مع إسرائيل.
ونقلت جريدة "هآرتس" الإسرائيلية الصادرة عن السفير السعودي في واشنطن أن السعودية تضغط على منظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة على زعيمها ياسر عرفات لإصدار بيان تعترف فيه بإسرائيل.
وقال بندر: إن السعودية اقترحت على عرفات إصدار البيان من خلال التطرق إلى قرار التقسيم الدولي رقم "181".
وأضافت الجريدة: إنه جاء في تقرير مفصل وصل إلى القدس حول اجتماع السفير بندر مع مجموعة من الزعماء اليهود، وإن السفير قال إن السعودية غير مستعدة للقبول بالحل المبني على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإنها ستؤيد فقط إقامة اتحاد "كونفدرالي" بين الأردن والفلسطينيين.
وجاء في التقرير أيضاً: إن المشاركين في الاجتماع، خرجوا بانطباع أن النظام السعودي يعتقد أن تأجيل المفاوضات، وتأخر الحل السياسي للنزاع سيؤدي إلى تطرف الفلسطينيين ومنظمة التحرير.
وقال السفير بندر: إنه حان الوقت للتفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين، وأضاف أن الفلسطينيين في المناطق المحتلة مستعدون لحمل مصيرهم على أكفهم، ولكن إذا لم يلجأ الطرفان- وبسرعة- إلي خطوات سياسية، ولم يبدأوا مفاوضات، فإنه من المتوقع، أن يزيد المتطرفون من تأثيرهم على الفلسطينيين.
وأضاف السفير لضيوفه: إن الانتفاضة فاجأت منظمة التحرير، التي لم تكن مستعدة لهذا التطور، كما كانت غير مستعدة لإعلان فك الارتباط بين الأردن والمناطق المحتلة.
وفي تعليق للإذاعة الإسرائيلية عن نفس الموضوع قالت:
اجتمع السفير السعودي في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، مع مجموعة من زعماء الجالية اليهودية في نيويورك.
وذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية التي انفردت بنشر هذا النبأ أن الاجتماع كان سرياً، في منزل المليونير اليهودي "تسفي شلوم" من نيويورك.
ووصف الحضور في هذا الاجتماع بأنه عقد في جو ودي للغاية، وأن السفير السعودي، أكد بأن الرياض ليست لديها تحفظات على سياسة إسرائيل في مواجهة العنف في المناطق المحتلة، وأن السعودية تبذل جهوداً جبارة، لإقناع منظمة التحرير الفلسطينية بوجوب الاعتراف بدولة إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى أن اجتماعاً آخر كان قد عقد قبل ثلاثة أشهر، بين الأمير بندر بن سلطان، وشخصية يهودية مرموقة في منزل أحد السفراء العرب، في واشنطن.
وذكرت "علهمشمار" بتاريخ 27/ 11/ 1987أن عدنان الخاشقجي، والذي يعد من المقربين للملك فهد والبلاط السعودي، قد اجتمع مع رئيس الحكومة شيمون بيريز، على خلفية صفقات السلاح أو ما يسمى بـ"الكونترا" بيع الأسلحة إلى نيكاراجوا، وأفادت مصادر دبلوماسية في واشنطن أن العديد من الشخصيات الإسرائيلية اجتمعت مع الأمير بندر السفير السعودي في الولايات المتحدة.
وفي تعليقه على لقاءات لاحقة، نسب راديو إسرائيل بتاريخ 19/11/1991إلى السفير السعودي السابق في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان تأكيده خلال اللقاء الذي عقده، وللمرة الأولى، مع زعماء الجاليات اليهودية الأمريكية في نيويورك، أنه إذا بادرت إسرائيل إلى تجميد إقامة المستوطنات الجديدة في المناطق المحتلة، فإن الدول العربية ستوافق على إلغاء المقاطعة الاقتصادية، والعمل على وقف الانتفاضة، وأضاف الأمير بندر، إنه يلتقي بالزعماء اليهود، ممثلاً عن الملك فهد، وأكد بندر أن السوريين سيواصلون المشاركة في المحادثات الثنائية مع إسرائيل، وأنه لا يستبعد أيضاً مشاركة سوريا في المحادثات الإقليمية متعددة الأطراف.
وأضاف بندر أنه يلتقي بالزعماء اليهود، ممثلاً عن الملك فهد، وأن السعودية لا تعتبر نفسها الآن طرفاً في النزاع الشرق الأوسطي، وهي تقوم حالياً، بدور كبير لدى الأطراف العربية، لإقناعها بمواصلة المحادثات، إلى حين التوصل إلى اتفاقيات سلام عادلة وشاملة في المنطقة. وأكد أن بلاده على استعداد للمشاركة في تمويل مشاريع صناعية اقتصادية مشتركة في منطقة الشرق الأوسط، في حال التوصل إلى اتفاق سلام شامل وعادل، مضيافا بأن بلاده تعتبر نفسها الآن "قابلة" قانونية، تعمل على توليد المسيرة السلمية، كما صرح رئيس المؤتمر اليهودي العالمي "هنري سيجمان" في أعقاب الاجتماع الذي ضم كلا من زعماء الجاليات اليهودية الأمريكية والأمير بندر بن سلطان، بأنه كان المبادر للدعوة لعقد مثل هذا الاجتماع، وأنه عمل طيلة الفترة السابقة، من أجل إقناع الأمير بندر بالموافقة على ذلك.
وأضاف أن اجتماعات عديدة جرت في نفس العام، وخاصة خلال حرب الخليج، ضمت الأمير بندر والعديد من زعماء الجاليات اليهودية الأمريكية، إلا أن هذه الاجتماعات جرت بصفة شخصية فقط، مضيفا أن الأمير بندر قام بدور مركزي لدفع بلاده إلى لعب الدور الأساسي في حرب الخليج، وضم سوريا لدول التحالف الدولي.
وفي سياق تعليقه على الاجتماع قال الراديو، إن المملكة العربية السعودية تعمل بجد وبسرية تامة، ففي بعض الأحيان نشاهد الأمير بندر بن سلطان الذي يخطط وينفذ هذا الدور عبر وسائل الإعلام، وهذا أمر نادر جداً، فمرة نشاهده في سوريا، ومرة أخرى يلتقي بزعماء الجاليات اليهودية الأمريكية، ومرة ثالثة يلتقي بالوفد الفلسطيني، إن الأمر الوحيد الذي يمكن للسعودية تقديمه للمسيرة السلمية هو المال، وهذا ما ترغب السعودية في تقديمه الآن.
لقد علم بأن الملك السعودي فهد- الملك السابق- قد أوضح للإدارة الأمريكية بأن بلاده وباقي دول الخليج على استعداد لتمويل مشاريع مشتركة إسرائيلية- عربية، في إطار المحادثات الإقليمية متعددة الأطراف، ويدور الحديث هنا، حول مشاريع تحلية مياه البحر، والطاقة والتخطيط المشترك والسياحة.
وأشار الراديو إلى أن المصادر العربية التي ذكرت ذلك في واشنطن، أشارت إلى أن الحديث يدور حول تقديم مليارات الدولار، شريطة أن تقوم الولايات المتحدة بالتخطيط لهذه المشاريع، التي من شأنها تقريب القلوب، وخلق مصالح مشتركة بين إسرائيل والدول العربية، ومع ذلك فإن السعودية تشترط تقديم هذه الأموال، بالتقدم الذي يمكن إحرازه من خلال المفاوضات الثنائية، أي أن المساعدات السعودية مشروطة باستعداد إسرائيل تقديم تنازلات إقليمية.
وذكرت هآرتس الإسرائيليـة يـــوم 10/ 10/ 1990أن بيريز رئيس حزب العمل الإسرائيلي يقوم بالتنزه منذ عدة أيام على ظهر سفينة النزهة "الملكة إليزابيث"، برفقة بعض رجال الأعمال العالميين، ومن بين المدعوين والمتواجدين على ظهر السفينة وزير النفط السعودي السابق الشيخ أحمد زكي يماني، ورئيس حكومة جنوب أفريقيا.
وذكرت صحيفة "الشعب المقدسية" في عددها الصادر يوم 2/11/1992 أن الرياض استقبلت وفداً أمريكياً إسرائيلياً بسرية تامة، وقد أشرف بندر نفسه على ترتيب هذه الزيارة، بعد أن حصل على ضوء أخضر من القصر الملكي، وقد طلب من الإسرائيليين استخدام جوازات سفر غربية، ويعتبر الوفد من أنشط عناصر الحركة الصهيونية على الساحة الأمريكية، واستمرت الزيارة 3 أيام، وقد تشكل الوفد من: روبرت لينتون "رئيس المؤتمر اليهودي الأمريكي"، هوارد سكو أدرون "عضو اللجنة التنفيذية للمؤتمر"، هنري سيجمان "المدير التنفيذي للمؤتمر"، أوري ماجنس "دكتور في علم النفس وضابط إسرائيل كبير"، أشرين هاجام "مهندس في الصناعات الحربية الإسرائيلية"، إيلعاند عبرانيل "من المخابرات الإسرائيلية"، يعقوب منير "خبير اقتصادي من حزب الليكود"، جون شيفرون "يهودي أمريكي ومن كبار المساهمين في شركة إكسون الأمريكية النفطية"، وقد ترأس الوفد الإسرائيلي "ديفيد قمحي" أحد أصدقاء بندر بن سلطان، مهندس العلاقة بين اللوبي الصهيوني من ناحية، والحكومة السعودية من ناحية أخرى، وقد تقدم الوفد بعدة مطالب وهي: الضغط على الدول العربية للتعجيل بإلغاء المقاطعة العربية، واستخدام نفوذ المملكة، من أجل الحد من حالة التطرف الإسلامي، وقف دعم حركة حماس، وقطع المساعدات المالية عن الانتفاضة، العمل من خلال أصدقاء المملكة على وقف العمليات العسكرية في لبنان، وطلب ديفيد قمحي من الملك فهد استخدام نفوذه الشخصي الكبير، من أجل إطلاق سراح الطيار الإسرائيلي رون أراد في لبنان.
وذكرت الفجر المقدسية يوم 9/ 2/ 1993 أن رئيس اتحاد غرف التجارة الإسرائيلية داني جيرلمان التقى مع وزير المالية السعودي محمد أبا الخيل، في بداية هذا الشهر في سويسرا، لبحث تعاون اقتصادي في المستقبل في الأراضي المحتلة، وقال جيرلمان في مؤتمر صحفي عقده في القدس: لقد أجريت محادثات مع وزير المالية السعودي، وكذلك مع رجال أعمال من سلطنة عُمان والكويت وأبو ظبي وقطر، وجرت هذه الاجتماعات على هامش مؤتمر "دافوس" الاقتصادي.
وفي مايو 1994 نشر خبيرا شئون المخابرات "يوسي ميلمان ودان رافيف" كتابا بعنوان (الأصدقاء بالأفعال: أسرار التحالف الإسرائيلي- الأمريكي)، قالا فيه: كان السعوديون رسميا وعلنيا في حالة حرب مع إسرائيل، إلا أن صانعي القرار في إسرائيل كانوا يدركون أن المملكة السعودية دولة معتدلة ومؤيدة للغرب، وأنها - رغم استخدامها الخطاب المعادي لإسرائيل - كانت على اتصال مستمر مع إسرائيل، ففي حقل المخابرات التقى ضابط العمليات في المخابرات الإسرائيلية "الموساد ط مع ضباط أمن ومخابرات الأسرة المالكة السعودية، عددا كبيرا من المرات، وتبادلوا وجهات النظر حول الطرق الواجب تطبيقها لإضعاف القوى الدينية الأصولية في منطقة الشرق الأوسط، أما المخابرات المركزية الأمريكية، فكانت دوما على علم بالاتصالات السرية السعودية- الإسرائيلية، وشجعتها باستمرار، فقد ذكر الباحث "ألكساندر بلاي من معهد ترومان" في مقال كتبه في مجلة العلوم السياسية الفصلية "جيروزاليم كوارترلي" تحت عنوان "نحو تعايش إسرائيلي - سعودي سلمي" إن المملكة السعودية وإسرائيل قامتا ببناء علاقة حميمة، وكانتا على اتصال مستمر في أعقاب حدوث ثورة اليمن عام 1962، بهدف ما أسماه منع عدوهما المشترك - أي عبد الناصر - من تسجيل انتصار عسكري في الجزيرة العربية.
وأضاف بلاي أنه أجرى مقابلة مع السفير الإسرائيلي السابق في لندن "آهارون ريميز" خلال الفترة من عام 1965- 1970، الذي أعلمه أن الملك سعود والملك فيصل كانا على علاقة حميمة مع إسرائيل، وعلى اتصال وثيق معها.
وأكد الكاتب البريطاني "فريد هاليدي" ما ذكره الباحثان الآخران، حيث ذكر في كتابه "الجزيرة العربية بلا سلاطين" أن الملك فيصل طلب من إسرائيل التدخل لحمايته من عبد الناصر أثناء حرب اليمن، وأن إسرائيل قامت بشحن كمية كبيرة من الأسلحة مستخدمة الطائرات البريطانية العسكرية، وأن صناديق الأسلحة ألقيت من الجو فوق مناطق الملكيين اليمنيين.
أجرت صحيفة "الجيروزاليم بوست" الإسرائيلية في 23/6 / 1994 مقابلة مع ضابط المخابرات الإسرائيلي "سينون".. كشف خلالها أن ولي العهد السعودي في وقته الأمير فهد.. سعى لإجراء اتصالات سرية مع إسرائيل.. بغية الوصول إلى تفاهم بين البلدين.. وأنه استخدم لهذه الغاية مبعوثاً فلسطينياً أرسله لمقابلة "موشي دايان" وزير الخارجية.. وقد أجرت الصحيفة المذكورة مقابلة مع المبعوث السعودي.. وهو صحفي فلسطيني معروف ومقرب من السعوديين.. وقد اعترف بالحادثة للصحيفة.. وقال إنه التقى بالكولونيل سينون في عام 1976.. ثم سافر إلى الرياض لمقابلة ولي العهد فهد.. الذي سلمه رسالة شفهية سرية إلى وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه دايان.. بخصوص العلاقات بين البلدين.. وقال إنه حين وصل إلى القدس المحتلة احتفى الإسرائيليون به.. وإنه أعلمهم أنه يحمل رسالة شفهية سرية من ولي العهد فهد.
التطبيع التجاري والاقتصادي والثقافي
وفي مجال التطبيع السعودي مع الإسرائيليين، فحدث ولا حرج، حيث ذكرت جريدة "علهمشمار" بتاريـخ30 /9/ 1986أن رجال أعمال سعوديين زاروا إسرائيل، وحضروا فعاليات معرض زراعي "جريتك 86"، وأطلعوا على أحدث التقنيات الميكانيكية المستخدمة للنهوض بالزراعة، وقد تعاقد رجال الأعمال مع الشركات الإسرائيلية لتزويدهم بمعدات تستعمل للري.
وذكرت جريدة "الفجر" المقدسية بتاريخ 19/ 1/ 1988أن مليونيراً سعودياً نزل مع زوجته وابنته لمدة أسبوع في فندق في مستوطنة "غوش قطيف" في قطاع غزة، ويدعى هذا المليونير عماد أحمد عفيفي، وهو من أقرباء العائلة المالكة السعودية.
وذكرت صحيفة "هآرتس الإسرائيلية في عددها يوم 21/ 8/ 1992 أن السعودية ستسمح من الآن فصاعداً لرجال الأعمال اليهود، الذين يرغبون في دخول الأراضي السعودية على أن يكون هدف الزيارة تجارياً فقط.
ونسبت "معاريف" الإسرائيلية يوم 18/ 11/ 1993 إلى "بيتر جرين" رئيس مجلس إدارة صندوق النمو الإسرائيلي قوله: إن مستثمرين ورجال أعمال سعوديين معنيون بشراء أسهم شركات من الأسهم التي يجري التعامل بها في بورصة تل أبيب، وخصوصاً من أسهم صندوق النمو الإسرائيلي.
وذكرت "معاريف" التي أوردت النبأ أن "جرين" عاد قبل عدة أيام من زيارة للسعودية، ولديه انطباع بأن المستثمرين السعوديين يبدون اهتماماً بالغاً بسوق المال الإسرائيلي وما يدور فيه، وكان مستثمرون سعوديون قد اشتروا قبلها مباشرة أوراقاً مالية خاصة بشركة يشتك الإسرائيلية، بما قيمته مليون دولار.
ومن الجدير بالذكر أن صندوق النمو الإسرائيلي أسس قبلها بعدة أسابيع على أرضية تقديرات ضريبية، وهو مخصص فقط للاستثمارات الأجنبية، وتقوم شركة "بي إف إم" التي تقيم مقرها في لندن بإدارتها، وتبلغ قيمة استثمار هذه الشركة، التي تأسست عام 1979 بمليار دولار.
كما ذكرت معاريف أيضا يوم 19/ 4/ 1993أن شركة مواد التجميل "معامل جيجي" أعلنت فى اليوم السابق عن إنجاز يعتبر الأول من نوعه بالنسبة للشركة، فقد وصلت إلى الشركة، هذه الأيام، رسالة من السعودية يطلب فيها رجال أعمال سعوديون فتح فرع للشركة هناك.
وأضافت الصحيفة أن المجتمع السعودي تعرف على منتجات معامل جيجي في الأسواق الألمانية، ونظراً لعدم وجود علاقات تجارية بين إسرائيل والسعودية، نقلت معامل جيجي الطلب إلى فرعها في ألمانيا، بحيث تدار المباحثات من خلاله هناك.
وذكرت معاريف بتاريخ 29/ 10/ 1993أن شركة سعودية اتصلت في اليوم السابق بمكاتب المجلس المحلي "كرني شمرون"، وأبدت استعداداً لشراء شقق في المستوطنة.
كذلك ذكرت جريدة يديعوت أحرنوت يوم 16/ 12/ 1993 أن سفينة شحن أجنبية حملت على متنها أجهزة كمبيوتر تستخدم في الري، وأنزلتها قبلها بأسبوع في ميناء جدة، وقالت الجريدة إن هذه الأجهزة طورت وأنتجت في مصنع "جالكون التابع للكيبوتس كفار بلوم"، وتستخدم هذه الأجهزة لأغراض ري الحدائق الخاصة، لأمراء العربية السعودية والحدائق العامة، ويطلق على الأجهزة "ياردين"، وقالت الجريدة: إن هذه الأجهزة الإسرائيلية أثارت اهتمام السعوديين والخليجيين عموماً، لأن بلدانهم تعاني من الفقر في المياه.
وقال "هداس جيجمان" في مقالة له أوردتها دافار يوم 1/ 2/ 1994: إن المفاوضات التي جرت مع إمارة قطر حول تزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي، فتحت أسواق الدول العربية أمام إسرائيل، ويبدي رجال الأعمال السعوديون الذين يزورون إسرائيل حالياً اهتماماً على ما يبدو، ليس فقط بعقد صفقات نفط، بل أيضاً ببيع الغاز لإسرائيل.
وقد أبدى السعوديون اهتماماً أيضاً بالصناعات الزراعية، واستغلال الإمكانية التجارية والسياحية الكامنة في البحر الأحمر، الذي تشترك إسرائيل ومصر والأردن والسعودية في سواحله.
والجدير بالذكر أن إسرائيل توقفت عن شراء النفط من المكسيك، والتي بلغت في ذروتها ثلاث مليارات دولار سنوياً.. وتفيد التقارير أن احتياجات إسرائيل النفطية في حالة زيادة دائمة، الأمر الذي جعل سوقها جذابة لجميع الدول المصدرة للنفط، وخصوصاً لدولة كالسعودية، والتي تعتبر تكلفة النقل لإسرائيل بالنسبة لها، منخفضة جداً مقارنة بالأسواق العادية التي تصدر إليها نفطها في الغرب، وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل، وإذا افترضنا أنه بمقدور السعودية احتلال مكانة المكسيك في تصدير النفط لإسرائيل، فإن السوق الإسرائيلية تستورد حوالي 6% من إجمالي صادراتها النفطية، حيث تبلغ قيمة صادرات النفط السعودي الخام والمصفى 45 مليار دولار سنوياً، لهذا السبب تبدو السعودية الآن شديدة الاهتمام بفتح سوق تصديرية جديدة، وإزاء التنافس القائم في السوق النفطي، والكمية التي تحتاجها إسرائيل، فإن أسواقها تتحول إلى أسواق شديدة الجاذبية للسعودية.
ويفيد اتحاد الصناعيين أن إسرائيل قادرة على تصدير أنواع كثيرة من البضائع إلى السعودية ومن ضمنها: الكيميائيات الصناعية، وأجهزة اتصال وأجهزة حاسوب.
كذلك نسبت يديعون أحرونوت" يوم 25/ 7/ 1994إلى مصادر حكومية رفيعة المستوى قولها: إن السلطات السعودية تدرس حالياً إمكانية الاستجابة لطلب بالسماح للطائرات الإسرائيلية بعبور المجال السعودي أثناء توجهها إلى الشرق الأدنى.
والآن تنتشر في الأسواق السعودية العديد من المنتجات الإسرائيلية، تحت أرقام ترقيم دولية لدول أخرى، أما حاليا فقد دخلت الأسواق في المملكة العديد من المنتجات والسلع، التي تحمل رقم إسرائيل التجاري الدولي، وأبرز تلك المنتجات قطع الغيار0
وقد تأكد خلال الفترة الماضية قيام الوكيل التجاري السعودي بتغيير الرقم التجاري الدولي الإسرائيلي خارج المملكة، ماحياً خافياً كلمات( Made In Israil)، بتغييرها خارج السعودية.
وقالت معاريف يوم 4/ 1/ 9595: إنه تم التوقيع على الصفقة الأولى من نوعها لتصدير الحمضيات من إسرائيل إلى العربية السعودية عن طريق الأردن، بعد أن تم الاتفاق بين مدير عام شعبة تسويق الحمضيات الإسرائيلي "داني كريتسمان" ورجال أعمال أردنيين، على أن تصدر إسرائيل الحمضيات إلى دول عربية عن طريق الأردن، وقد توجه كريتسمان في وقت سابق في زيارة إلى الأردن، لإيجاد حل لمشكلة فائض صنف "يوسف أفندي" عن طريق تصدير الحمضيات إلى الأردن، غير أن هذا الأمر غير مسموح به في الآونة الحالية، نظراً لأنه مقرون بالاتفاقيات السياسية التي لم تستكمل بعد، ولهذا السبب طرحت فكرة تصدير الحمضيات من إسرائيل إلى دول عربية عن طريق الأردن، على أن يتم ضمان بأن الحمضيات المصدرة من إسرائيل لن تبقى في الأردن، ومن المفترض أن يتم نقل الحمضيات إلى الدول المنوي التصدير إليها، بواسطة شاحنات، أو سفن عن طريق ميناء العقبة إلى تلك الدول، ومن المحتمل أن تكون العراق إحدى الدول المستوردة.
هذا وقد بدأت شركة "ليبرتي يسرائيل" استعداداتها في أعقاب توقيع اتفاقية السلام مع الأردن لتصدير منتجاتها إلى الأردن ومصر، وأعرب المسئول في هذه الشركة عن توقعاتهم، بأن تصل قيمة التصدير عبر الأردن 250 مليون دولار لهذا العام.
التطبيع الثقافي والرياضي
ذكرت هآرتس يوم 9/ 4/ 1989 أن خبيراً من العربية السعودية شارك في المؤتمر الدولي للإخصاب المخبري، والذي اختتم في القدس خلال تلك الفترة، وقد حضر هذا الشخص إلى إسرائيل باسمه الحقيقي، ومزوداً بجواز سفر خاص، وفي نهاية الاجتماع غادر إسرائيل.
وذكرت البوست يوم 24/ 7/ 1989أن فريق ناشئة وادي شارون الإسرائيلي لكرة "البيسبول" التقى مع الفريق السعودي في دورة المباريات الجارية في قاعدة رامشتاين الجوية الأمريكية في ألمانيا الغربية.
وذكرت صحيفة "المحرر" في عددها الصادر يوم 28/ 9/ 1992أن ندوة مثقفين عرب وإسرائيليين عقدت في لندن قبلها بأسبوع شارك فيها عناصر من الموساد وكتاب إسرائيليين، أبرزهم ديفيد جروسمان صاحب كتاب "الزمن الأصفر" وأهارون إبلفليد والسفير السعودي الشاعر غازي القصيبي وبعض الكتاب العرب، بينهم الدكتور إدوارد الخراط والشاعرة سعاد الصباح.
وذكرت صحيفة "الفجر" المقدسية الصادرة بتاريخ 14/ 5/ 1992 أن رئيس ببلدية القدس "تيدي كوليك" اجتمع مع الشيخ إسحق إدريس مسخوطة، وهو مستشار الرابطة الإسلامية العليا ومقرها في الرياض، وكان الشيخ إدريس وهو سوداني الأصل، ويقال نيجيري ويقيم في القاهرة، قد وصل إلى إسرائيل قبلها مباشرة من العاصمة المصرية على متن طائرة العال الإسرائيلية، وهذه أول زيارة تقوم بها لإسرائيل شخصية دينية مسلمة على هذا المستوى.
وسلم كوليك ضيفه هدية عبارة عن لوحة منقوشة من النحاس، تحمل صورة لـ "قبة الصخرة"، وأعرب الشيخ إدريس عن رغبته في الحصول على صورة تشتمل أيضاً على حائط المبكى، ووعد كوليك بتلبية هذا الطلب، وقد استغرقت زيارته أسبوعاً واحدا،ً اجتمع خلالها مع رئيس الكيان الإسرائيلي حاييم هرتسوج والحاخامين الأكبرين، وأشاد الشيخ بما تضمنه سلطات الاحتلال المختصة من حرية العبادة في الأماكن المقدسة لأبناء جميع الأديان.
ونسبت الجريدة إلى مسخوطة قوله لرئيس الدولة: أنا أؤمن بأن زيارتي بشرى جيدة لما هو آت، وقد اجتمع برئيس الدولة في المسكن الرئاسي في القدس، وأعرب عن تذمره من عدم وجود خدمات صحية كافية في الأقصى، كما ينبغي في مثل هذا المكان المقدس.
وقد رد عليه هرتسوج بالقول: إن معالجة احتياجات الأماكن الإسلامية المقدسة بـأيدي الوقف الإسلامي، ووعد بالتحدث عن هذه القضية مع رئيس البلدية تيدي كوليك.
حرس العائلة المالكة يتدربون في إسرائيل
وكشف مقال نشره موقع "ميدل إيست نيوز أونلاين" في 20/ 2/ 2005 أن ثلاثة من الحراس الخاصين بالعائلة المالكة في السعودية تلقوا تدريبهم في أحد المعاهد هذه قبل فترة وجيزة، بحسب الموقع، فالحراس الثلاثة يحملون الجنسية الألمانية، وتلقوا تدريباتهم في أحد المعاهد الأمنية في منطقة النقب، بجانب مدينة "رهط" التي يسكنها بدو يحملون الجنسية الإسرائيلية، وتركزت التدريبات على كيفية حماية المواكب الملكية من الهجمات، وكيفية الهرب من الكمائن، وطبعا كيفية الدفاع عن الشخصيات المهمة.. وذكر موقع "ديبكا" الإسرائيلي أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها إسرائيل بتدريب حراس لحماية شخصيات عربية، فقد تدرب العشرات من الحراس من بعض الدول العربية مثل المغرب والأردن.
وتنفق إسرائيل ملايين الدولارات على الصناعات الأمنية وتدريب الكوادر للقيام بمهام متنوعة، أساسها ترسيخ احتلالها للمناطق الفلسطينية، وبسط هيبتها في المنطقة وزيادة صادراتها العسكرية والأمنية، وقد جعلت جرائمها اليومية ضد الشعب الفلسطينى والشعوب المجاورة من جنودها متدربين عمليين على جرائم القتل 0
وقد وجدت الكثير من أجهزة الأمن في العالم في إسرائيل مكانا مميزا لتدريب الحرس الشخصيين للقادة والمسئولين، حيث يوجد عدد من المعاهد المتخصصة في هذا المجال0
آل سعود والأسلحة الإسرائيلية
لم يتوقف الدور السعودي القذر عند هذا الحد، فقد أكد الصحفي الإسرائيلي "ستيف رودان في الجيروزاليم بوست في 17/9/1994" أن حرب الخليج عام 1991 قد شكلت منعطفا هاما بالنسبة لصناعات إسرائيل العسكرية، لأنها مكّنتها من بيع الأسلحة الإسرائيلية على نطاق واسع للولايات المتحدة وحلفائها العرب، فمثلا اشترت السعودية منها منصات إطلاق صواريخ "توما هوك"، وقذائف مضادة للدروع، وطائرات استطلاع بدون طيار، وأجهزة ملاحة، فضلا عن 14 جسرا عسكريا صنّعتها شركة "تاس الإسرائيلية"، سعر الجسر الواحد مليون دولار.
كما أكد الخبيران الأمنيّان"ميلمان ورافيف" أن إسرائيل شحنت للسعودية مناظير للرؤية الليلية، ومعدات لزرع الألغام، وقد أمر الجنرال "شوارتز كوف" قائد قوات التحالف الغربي ضد العراق بإزالة جميع الكتابات العبرية المنقوشة على الأسلحة، حتى لا يكتشف أحد منشأها.
ونشر ضابط المخابرات الإسرائيلية "الموساد "فيكتور أو ستروفسكي" كتاباً طلب إسحق شامير من الحكومة الكندية منع نشره، أكد فيه أن المملكة السعودية تشتري كمية كبيرة من الأسلحة المصنوعة في إسرائيل، وقد ذكر في كتابه: "علمت من القسم المسئول عن السعودية في الموساد، أن إسرائيل تبيع عبر دولة وسيطة خزانات وقود للطائرات السعودية المقاتلة، لتمكينها من الحصول على مزيد من الوقود لإطالة الرحلة، إذا اقتضت الحاجة لذلك، حيث إن إسرائيل تعاقدت مع الولايات المتحدة لتزويدها بذات النوع من خزانات الوقود، كما أن خزانات الوقود ليست الشيء الوحيد الذي بعناه للسعوديين بهذه الطريقة، فقد بعناهم أشياء أخرى كثيرة، إن السعودية سوق كبير، ولا يمكننا تجاهله.
وذكر الخبير العسكري "سليج هاريسون في كتاب الحرب ذات الكثافة المحدودة" أن مصدراً رفيعاً ومسئولا في المخابرات المركزية الأمريكية أعلمه بأن المخابرات المركزية دفعت في عام 1986 مبلغ 35 مليون دولار من الأموال السعودية لإسرائيل، لشراء بعض الأسلحة والمعدات السوفيتية، التي غنمتها من ياسر عرفات أثناء حرب لبنان، والتي دفع السعوديون ثمن شرائها لعرفات، لتسليمها للمجاهدين الأفغان (الصفحة 203 من مداولات مجلس الشيوخ الأمريكي لجنة شئون آسيا والباسيفيك مارس 1987)، بمعنى أن آل سعود دفعوا ثمنها مرتين.
قبل الحديث عن المخطط الأمريكي الإسرائيلي الجديد فى المنطقة والمدعوم من قبل بعض الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام السعودي ، يجب أن نتوقف قليلاً عند العلاقات بين النظام السعودي والتظامين الأمريكي والإسرائيلي .
رغم ما يقال عن العلاقات السعودية - الأمريكية خلال نصف قرن فإن هذه العلاقة قائمة على ثالوث يصمد فى وجه التحولات السياسية السابقة والحالية .. فقد تمر العلاقة بمرحلة وئام تام وقد يشوبها بعض سوء الفهم إلا أن قاعدتها صلبة لا تزعزعها عمليات إرهابية هنا أو هناك ولا إنتهاك لحقوق الإنسان أو ما شابه ..
الثالوث يعتمد على : النفط والموقع الجغرافي والدين ، وقد أثبت هذا الثالوث أنه الثابت الدائم وكل شيء غيره قابل للتفاوض والجدل والتجاوز من قبل الطرفين الشريكين فى مصالح معروفة ومتفق عليها مسبقاً .
وفى مقالها الهام حول العلاقات الأمريكية - السعودية والذى نشرته صحيفة القدس العربي تقول د. مضاوى الرشيد :
" منذ أن تعرفت الولايات المتحدة عن قرب على المجتمع السعودي وتطوره خلال النصف الأول من القرن المنصرم ، وهى تحاول تجنيد الفكر الديني السعودى لخدمة مصالحها ومشاريعها ، ليس فقط فى المنطقة العربية بل فى العالم الإسلامي . منذ اللقاء الأول للقيادة الأمريكية بنظيرتها السعودية برز الإسلام كعامل يمكن استغلاله فى تثبيت الهيمنة الأمريكية ومحاربة أعداء هذه الهيمنة .
وجدت الولايات المتحدة فى الإسلام المستقطب من قبل الحكومة السعودية خير ناصر لمشاريعها القريبة والبعيدة ، واستطاعت الآلة الإعلامية الأمريكية أن تنفخ فيها إلى حجم أكبر من مواقعها ومؤهلاتها وقدراتها الفكرية والثقافية والحضارية ، وتحاول أن تجعل منها محوراً يقود العالم العربي والإسلامي على حساب قيادات تاريخية لها من الشرعية والإرث الحضاري أكبر بكثير من نصيب القيادة السعودية .
فعَّلت الولايات المتحدة العامل الديني المتمثل بإطروحات سعودية محلية لمحاربة أعدائها ، بدءاً بحصر الناصرية والعراق البعثي والحركات التمردية العربية التى هيمنت على الشارع العربي فى منتصف القرن الماضي ،وجدت الولايات المتحدة الإسلام السعودي أفضل وأمضى سيف تحارب به تيارات مختلفة فى مناطق متطرفة فى العالم العربي والإسلامي،فقضت الشراكة السعودية - الأمريكية على الكثير من طموحات المنطقة بعد أن سلط الإسلام السعودي المستقطب سيف الدين على أعداء الولايات المتحدة الأمريكية،فأزاح هذا الإسلام حجر عثرة كبيرة على المستوى الفكري والثقافي كان يقف فى المواجهة مع الهيمنة الخارجية.
وقد وجدت الولايات المتحدة فى الإسلام السعودى ما يمكنها من الطعن فى المشاريع القومية والإشتراكية والعربية ، واستبدال ثقافة الانفتاح المزعوم تجاه الرأسمالية الغربية - والتى صورت على ظانها متناغمة مع روح الإسلام وتقاليده – بهذه المشاريع استطاع الإسلام السعودى المستقطب أن يوهم العالم ولو لفترة وجيزة أن الهيمنة الأمريكية أقرب لروح الإسلام من الشيوعية الكافرة ، والتى بذل القائمون على بلورة هذا الخطاب جهدهم الكبير من أجل التصدي لها نيابة عن الولايات المتحدة وجيوشها العتيدة " .
العلاقات السعودية - الإسرائيلية
بعد أن وضعت الحرب السادسة أوزارها ، نشر موقع " إنتيلجينس أون لاين " على شبكة الإنترنت فى عدده 553 بتاريخ 20 أكتوبر2006 مقالاً بعنوان "تحالف إقليمي سري ضد إيران " .
وذكر الموقع نسبة لمصادر دبلوماسية أن إسرائيل وأربع دول مسلمة سنية : " الأردن والسعودية ومصر وتركيا " قررت فى 17/9/2006 تشكيل تحالف إستخباراتى إقليمي لمواجهة إيران بسبب محاولاتها لتصنيع سلاح نووي ، وجهودها لإقامة هلال شيعي يمتد من طهران حتى بيروت .
وكشفت مصادر دبلوماسية النقاب عن أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني نجح فى إقناع نظيره السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بالحاجة لتأسيس علاقات سرية مع إسرائيل .
وذكر الموقع أن هذا التحرك جاء بمبادرة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذى كان على إتصال دائم بالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ بداية الحرب بين حزب الله وإسرائيل ، وأن الملك السعودي قلق أيضاً بشأن المد الشيعي الذى ينتشر بالمنطقة ، وأن الملك الأردنى يلقى دعماً من رئيس وزرائه الجنرال معروف البخيت المدير السابق للمخابرات العامة الأردنية ، والذى عمل سابقاً سفيراً للأردن لدى إسرائيل ، وذكر أن ملك الأردن نجح فى إقناع نظيره السعودي بالحاجة لتأسيس علاقات سرية مع الحكومات الإسرائيلية من أجل تنسيق الجهود ، وأن ملك السعودية قبل أن يلزم نفسه بهذه العلاقات استشارالأمير بندر بن سلطان أمين عام مجلس الأمن القومى السعودي وسفير المملكة السابق لدى واشنطن ، والذى كان دائماً يحتفظ باتصال دائم مع الإسرائيليين . كما إستشار الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس إدارة المخابرات العامة السعودية ، وأضاف المصدر أنه بعد أن أبدى بندر ومقرن اهتماماً بفتح قنوات مع الإسرائيليين ، قام عبد الله باستشارة وزيرة خارجيته سعود الفيصل ، الذى يعد من أكثر المستشارين الذين يثق بهم العاهل السعودى ، ووافق سعود الفيصل أيضاً على الفكرة .
وبعد ذلك أستشار ملك السعودية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذى أرسل على الفور مسئولين كباراً من جهاز المخابرات التركية إلى الرياض للقاء بندر ومقرن ،
وأشار إلى أن مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان سافر مرتين الى الرياض رسمياً، من أجل تنسيق الجهود فيما بعد الحرب في لبنان ، والدفع من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية فى فلسطين بين فتح وحماس ، بينما فى الحقيقة سليمان زار الرياض لينقل موافقة الرئيس المصري حسنى مبارك على الاتصالات السرية بين السعودية وإسرائيل .
وذكر الموقع أيضاً أن الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد حصوله على التشجيع السياسي والدبلوماسي أمر بندر بأن يجري مباحثات مع رئيس الموساد الإسرائيلي الجنرال مائير داغان ، وكان هذا اللقاء يوم 18 سبتمبر فى قصر عبد الله الثانى بالعقبة ، وحضر مع داغان يوران تربوتيز وجادى شامانى مستشارا رئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت .
ورافق بندر ثلاثة مساعدين بارزين فى المخابرات ، وحضر معه عبد الله الثانى الذى رحب شخصياً بكل ضيوفه : معروف البخيت ، والمدير السابق للمخابرات الأردنية الجنرال محمد الذهبى والسفير الأردنى لدى إسرائيل على العايد ، ووفقاً لما قاله شهود عيان جرى الاجتماع فى جو مريح للغاية ، سيما وأن بندر وداغان التقيا من قبل فى عدة مناسبات فى واشنطن .
وأضاف التقرير ان داغان قدم خلال المحادثات تقريراً حول آخر مستجدات البرنامج النووى الإيرانى ، وتحدث عن الدور الذى لعبته دوائر علمية باكستانية وكذلك التعاون الروسى فى هذا البرنامج ، لكن المباحثات تركزت أساساً على الإرهاب الشيعى وجهود إيران لتصدير ثورتها.
وتابع التقرير أن عبد الله الثانى اتفق مع داغان على أنه من غير المتوقع أن يحدث تحول سياسى مهم من جانب حماس ، لأن قيادة الحركة فى فلسطين يعترضها صقور يعيشون فى المنفى فى دمشق وطهران .
وأشار التقرير إلى أن بندر من جانبه أصر على أن تستأنف إسرائيل وبسرعة محادثاتها مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس من أجل تقوية موقفه فى مقابل حماس ، وفى نهاية اللقاء تقرر " العمل على تبادل المعلومات الاستخباراتية بسرعة من أجل التعامل مع التهديد الإيرانى" .
وفى هذا الإطار اتفق على أن يعمل مدير المخابرات الأردنية كضابط اتصال بين المخابرات السعودية والموساد ، وهذا التعاون يهدف إلى تهيئة الأرض لتشكيل تحالف استخباراتى إقليمى يضم تركيا ومصر .
وأضاف التقرير أن إيران أبدت رد فعل سريعاً على اتفاق العقبة ، إذ قامت فى الأيام الأخيرة بإرسال أسلحة مضادة للدبابات والطائرات لحماس فى غزة لأول مرة ، الأمر الذى يقوى احتمال حدوث صدام جديد مع إسرائيل .
البحث عن دور
ان هذه الحقائق تؤكد أن السعودية تلعب مع إسرائيل دوراً خطيراً لتدمير المنطقة لخدمة الولايات المتحدة الأمريكية ، فالأسرة السعودية لا تفوت أى فرصة تسنح لها ، من أجل استعادة مركزها السابق لدى الولايات المتحدة الأمريكية كوسيط أساسى فى العالم العربى ، لكن مساعيها فشلت حتى الآن ، كما تقول مجلة " ويكلى ستاندارد " الأمريكية القريبة من صانع القرار الأمريكى .
وفى رأى المجلة الأمريكية ، فإن بعض هذه المساعى جرت خلال حرب تموز (يوليو) 2006 ، عندما زار البيت الأبيض وفد سعودى ثلاثى تشكل من المسئول الإعلامى – الدعائى فى السفارة السعودية بواشنطن عادل الجبير ، ووزير الخارجية السعودى سعود الفيصل ، فضلاً عن سفير الرياض آنذاك لدى واشنطن الأمير تركى الفيصل .. يومها كانت الرسالة التى حملها الوفد هى الطلب من الولايات المتحدة فرض وقف لإطلاق النار فى لبنان ، وكانت المقاربة السعودية تقترح أن تقوم واشنطن بالضغط على إسرائيل لكى تتراجع عن حملتها للقضاء على " حزب الله " .
كانت الحرب وقتها تمشى نحو نهاية الأسبوع الثانى ، ووزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بدأت لتوها جولة فى منطقة الأزمة ، وتؤكد المجلة أن المبادرة السعودية كان لها هدف آخر ، وهو أن تعيد الولايات المتحدة ترميم وضع السعودية كوسيط أساسى فى العالم العربى والشرق ، من دون أن تأخذ فى الحسبان أن النظام السعودى يقوم داخل حدوده بتمويل وتجنيد الأفراد لصالح تنظيم القاعدة كما يقوم بمد مجموعات القتل الإرهابية العاملة فى العراق بالعناصر .. لكن فى الحقيقة كان لدى السعوديين القليل لعرضه وتنفيذه لقاء ذلك ، فهم لم يكونوا على قدرة لتقديم شئ فى النزاع فى لبنان ، كما إنه لم يكن لديهم تأثير على سوريا أو على الشيعة .
ويروى كاتب المقال فى المجلة المذكورة أنه ، قبل يوم واحد من زيارة الوفد السعودى ، كان يتحدث فى برنامج على قناة " الحرة " الممولة أمريكياً ، وقد تحدث فى البرنامج نفسه أحد المدافعين عن الموقف السعودى ، فكان رأيه أن عملية نشر الديمقراطية التى تقودها الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط قد فشلت تماماً ، وأن التحول فى العراق قد تمزق ، وأن كونداليزا رايس لا يعول عليها .
وتقول " ويكلى ستاندارد " إن وراء هذه الدعاية مقامرة سعودية على أمريكا من أجل أن تتوقف عن دعم الأكثرية الشيعية فى العراق ، والعودة إلى سياستها السابقة فى الشرق الأوسط، وهى سياسة كان اعتمادها كله تقريباً منصباً على الرياض ، ولكن الولايات المتحدة عليها أن تفرق بين السنة الإرهابيين والسنة الأصدقاء ، كما عليها أن تفرق بين الشيعة " الإرهابيين " كـ " حزب الله " ، وبين الشيعة الأصدقاء على غرار آية الله على السيستانى فى العراق ، حسب تعبير المجلة الأمريكية .
ويقول كاتب المقال ، وهو ستيفن شوارتز ، إن المقاربة السعودية لدى واشنطن استظلت العلم "الإنسانى" لكن الإنسانية السعودية ، حسب تعبيره ، جلبت عصر التطرف الوهابى ، وهذا ما حدث فى أفغانستان ، وفى البلقان ، وحتى فى الولايات المتحدة نفسها من خلال نشاط الجمعيات الخيرية السعودية .
ويستطرد الكاتب فيقول : إن بعض وسائل الإعلام تتحدث عن وجوب دعم " الدول العربية المعتدلة " مثل السعوديين ودورهم فى رفع المعاناة عن الشعوب كما يحدث فى لبنان ، ولكن بينما يمكن للسعودية أن تكون " معتدلة " فى تعاملها الرسمى وعلاقاتها مع الغرب ، فهى لا تستطيع أن تكون قوة إسلامية معتدلة قبل أن تقطع صلاتها بالوهابية ، وهى المذهب الذى يلهم تنظيم القاعدة المتطرف .
لقد أعطى الملك عبد الله بعض الإشارات إلى أنه يفضل دوراً ووجهاً جديدين لبلاده ، لكن "ويكلى ستاندارد " ترى أن السعودية إذا أرادت أن تلعب دوراً بناءً فى حل أزمات الشرق الأوسط ، فعليها أن تدعو إلى تطبيع عربى للعلاقات مع إسرائيل ، وإنهاء ما تسميه أمريكا بـ" الإرهاب " الذى تمارسه " حماس " و" حزب الله " ، وغيرهما من التنظيمات المقاومة المسلحة الشريفة ، والتى يكرهها آل سعود وصبيانهم فى لبنان ومصر وباقى أرجاء عالمنا العربى والإسلامى .
إذن العلاقات السعودية - الإسرائيلية قديمة وخطيرة وهى ترتبط بالاستراتيجية الأمريكية مداً وجزراً .. فمن الثابت تاريخياً أن عبد العزيز آل سعود ، مؤسس الدولة السعودية الثالثة ، كان يعطف على يهود نجران وكان يمدهم بالأموال والغذاء ، كما يذكر أيضاً أن عبد العزيز نفسه أرسل المئات من الأسر اليهودية فى نجران إلى فلسطين المحتلة ، كان ذلك فى أواخر الأربعينيات من القرن الماضى ، حتى إنه لم يبق من اليهود أحد فى نجران ، بينما أقرباؤهم لايزالون فى اليمن حتى اليوم .
فى 18 ديسمبر 1985 ، تناقل العديد من الصحف العربية والأجنبية خبراً حاز على اهتمام الرأى العام العربى والأجنبى ، والخبر نشرته جريدة " العرب " اليومية و" الخليج " الإماراتية و" القبس " الكويتية ، ويقول : " إن بعض أفراد الأسرة السعودية المالكة توجهوا سراً فى الأسبوع الماضى ، إلى مدنية تيفوت وسط فلسطين المحتلة – جنوب إسرائيل – فى زيارة سرية متخفين بأسماء مستعارة ، وقد قصدوا أثناء زيارتهم قبر حاخام يهودى مشهور فى تلك المدينة بقصد التبرك به .. فى سبيل علاج إحدى الأميرات (!!) .
والخبر الذى لم يكذبه أحد من آل سعود يكشف فى واقعه عن حقيقة الصلة الوثيقة بين الأسرة السعودية وبين اليهود .
خلية فيكتوريا
ويشير د. رفعت سيد أحمد – مدير مركز يافا للدراسات والأبحاث – إلى أن عدداً من الدراسات التاريخية ذكرت قصة ما سمى بـ " خلية فيكتوريا " وعلاقاتها مع الكيان الصهيونى، تلك الخلية التى بدأت بكمال أدهم – رئيس الاستخبارات السعودية فى عهد فيصل- مروراً برجل الأعمال السعودى عدنان خاشقجى ، وانتهاء ببندر بن سلطان ، وهذه الخلية نسجت علاقات قوية وخطيرة مع إسرائيل ، وعقدت معها صفقات سلاح ومعلومات وسياسة، وفى هذا الصدد تُذكر صفقة " إيران – كونترا " ، وصفقة " تهريب يهود الفلاشا " عبر مزرعة عدنان خاشقجى فى كينيا ، حيث استضاف شارون حينما كان وزيراً للحرب فى أوائل الثمانينيات ، ووقتها عبر خاشقجى عن أمنياته بتولى شارون رياسة وزراء الدولة الصهيونية، لأنه حينها – حسب قول خاشقجى – سيحل كثيراً من مشكلات الدولة الصهيونية ، وبالفعل تحققت أمنية خاشقجى وأصبح شارون رئيساً لوزراء الكيان الصهيونى ، وحل كثيراً من مشاكل ذلك الكيان ، ولكن عبر أنهار الدم العربى والفلسطينى .
وفى أثناء حرب الخليج الثانية 1991 – حسبما ذكر شوارسكوف فى مذكراته – ذهب كثير من الأسلحة الإسرائيلية إلى المملكة السعودية كصواريخ توما هوك ، أيضاً ذكر الكاتب الأمريكى بوب وودورد فى كتابه (حالة إنكار) أن الدور الأكبر فى التقارب بين يهود الولايات المتحدة والرئيسين الأمريكيين جورج بوش (الأب والابن) قام به الأمير السعودى بندر بن سلطان حينما كان سفيراً للمملكة العربية السعودية فى أمريكا ، وقد سطر " ورد " فى كتابه عشرات الصفحات للحديث عن هذا الدور لبندر بن سلطان ، الذى وصفه ورد بأنه قام بدور المستشار الدولى الشخصى لبوش الابن ومن قبله بوش الأب ! .
التشابه بين آل سعود وآل صهيون
لم تكن المصالح السياسية هى التى تجعل التقارب السعودى – الإسرائيلى أمراً حتمياً ، ظهرت ملامحه عندما توافق الطرفان فى رؤيتهما السياسية خلال حرب لبنان الأخيرة ، وأشادت القيادة الإسرائيلية بالمواقف السعودية ، وتحولت الفتاوى السعودية إلى مادة دسمة تستهلكها الصحافة الإسرائيلية ، فهذا التقارب له جذور وقواسم مشتركة تؤلف بين القيادات فى كلا الكيانين ، وليس قرار النظام السعودى إنشاء جدار عازل بين السعودية والعراق ، إلا رمزاً لحالة التقارب الفكرية بين دولة صهيونية عنصرية وأخرى عربية تشاركها بعض البنية الفكرية والخلفية التاريخية .. هذا التقارب نابع من مشتركات تجعل الكيان الإسرائيلي أكثر تشابهاً مع نظيره السعودى ، وقد فصلت د. مضاوى الرشيد فى مقالها " السعودية وإسرائيل .. التقارب بين دول الجوار والجدار " - والذى نشر فى جريدة القدس العربى بتاريخ 27/11/2006 - وجوه التقارب بين السعودية وإسرائيل ، ومن أبرز هذه الوجوه :
أولاً : قامت دولة إسرائيل والدولة السعودية على علاقة متشنجة مع الدين ، الأولى استغلت نصوصاً قديمة دينية فى سبيل مشروع حديث طعم بالفكر القومى الأوروبى ، وخاصة المتصل بمفهوم الدولة القومية وجمعها لشتات اليهود المنتشرين فى العالم ، وتصدرت إسرائيل تمثيل هؤلاء فى المركز الجغرافى والذى يحمل الرمزية الدينية وبذلك يستطيع توحيد الصفوف، كذلك السعودية قامت هى أيضاً على تفعيل الخطاب الدينى فى مشروع سياسى بحت ، مستغلة بذلك رمزية الموقع الجغرافى وثقله عند المسلمين لتكسب شرعية ولو آنية حتى يتم تثبيت الدولة وهيمنتها .
وبعد استتباب وتوطيد المشروعين السعودى والإسرائيلى نجد أن الدولتين ابتعدتا عن الخطاب التأسيسى الدينى ، مما أدى إلى بروز أصوات منشقة تحاول إعادة المشروع إلى جذوره الدينية وأخرى ترفض المشروع ذاته ، فى إسرائيل تظل المجموعات الدينية متململة من علمانية دولة اعتبرتها سابقاً مثالاً حياً للمشروع اليهودى الأصل ، وكذلك السعودية حيث نجد إن بدايتها تزامنت مع تعالى الأصوات المنددة بتحول المشروع من مشروع دينى إلى مشروع سياسى بحت انفصل عن خطابه التأسيسى الأول .
ثانياً : قامت الدولتان : السعودية والإسرائيلية على تفعيل الخلاف بين جغرافيتين الأولى جغرافية الداخل النقى الطاهر الذى يمثل روح المجموعة ، والأخرى جغرافية الخارج المعادى والآخر المتربص، ديمومة المشروعين الإسرائيلى والسعودى تعتمد على هذا الانفصال ، حيث تتكون نظرة للعالم وكأنه جاهز للانقضاض على الداخل الصافى .
حدد صفاء الداخل بمصطلحات تعتمد على انتقائية النصوص الدينية وتفعيل نظرية الاختيار الربانى ، وهى لها نظيرتها فى السعودية حيث المشروع السعودى اعتمد على مفهوم الاختيار من أجل بلورة الرسالة السماوية على الأرض وتطهيرها من الشوائب والكفر والشرك ، رسالة الدولة الإسرائيلية والسعودية تصبح مشروعا إلهياً يعتمد فى تحقيقه على مجموعة صغيرة مكلفة ومنتقاة من بين البشر ، الحلم اليهودى بالعودة إلى أرض الميعاد يقابله الحلم السعودى بتنقية الإسلام من شوائب وصفت وكأنها طغت على ممارسته .
مفهوما العودة إلى الأرض والعودة إلى إسلام صائب يجعلان من الدولة الإسرائيلية مرآة لنظيرتها السعودية والعكس صحيح ، العودة ترتبط بحالة تشنج دائمة ضد مخاطر وهمية ترسمها الدولتان ، ولا تستطيعان أن تتخلصا من نظرية الخطر المفترض والحتمى .
ثالثاً : تقسيم الجغرافيا إلى مناطق يقطنها الطاهر وأخرى يقطنها المدنس تجد تكريساً صريحاً فى فكرة الجدار العازل الذى يفصل بين الجغرافيتين ، إسرائيل تبنى جداراً يفصل بين الداخل والذى يصور على أنه تحت التهديد والخطر وبين الخارج الفلسطينى مصدر الخطر ، كذلك السعودية بجدارها ذى التكلفة المرتفعة يفصل ما يصور على أنه الداخل السعودى الآمن والخارج العراقى الملتهب .
وبينما إسرائيل هى المعتدية على الفلسطينى ومصدر الخطر الأول والأخير ، كذلك السعودية، فهى تاريخياً من امتداد وتوسع فى العراق عن طريق هجرات متتالية من الوسط السعودى إلى الطرف العراقى تعود جذورها إلى مئات السنين ، وارتبطت هذه الهجرات بعوامل اقتصادية تارة وعوامل تاريخية دينية ، وإن كان هناك خطر ما فهو كان يأتى من الداخل السعودى وليس من العراق ، تماماً كما هى الحال فى فلسطين حيث إن اليهود أتوا من الخارج إلى الداخل الفلسطينى ليشكلوا خطراً عليه .. دول الجوار هى عادة مصدر هذا الخطر وليس المجموعات القاطنة خارج الجدار ، تعزل إسرائيل الفلسطينى الأعزل ، وهى التى تقصفه يومياً ، والسعودية تعزل العراق وشعبه بينما نجد أن السعودى هو الذى هاجر إلى العراق حالياً طلباً للجهاد ، وتاريخياً غزت قبائل نجد العراق واستقرت به ولم يأت العراقى إلى السعودية يوماً ما ، وإن أتى نراه وجد نفسه لاجئاً فى مخيمات صحراوية نائية يترقب عودته إلى بلاده بعد صفقة سياسية تتم بين قيادات العراق ونظيرتها السعودية .
رابعاً : يتميز الكيانان الإسرائيلى والسعودى بالعنصرية وتجاه أطراف فى داخل الكيانين وبين الكيان نفسه ومن هم خارجه .. نجد ان فى الداخل الإسرائيلى تمايزاً بين اليهود أنفسهم حيث يتصدر يهود أوروبا المقام الأول لأنهم أصحاب المشروع منذ بدايته ، ويأتى اليهود الشرقيون والفلاشا وحتى الروس القادمون بعد إتمام المشروع فى مراتب متدنية ، ويشكل هؤلاء حلقات بعضها يعانى من التمييز والدونية ، التى تعبر عن ذاتها فى الإقصاء والابعاد عن مركز القرار السياسي والاقتصادى ، وفى الداخل السعودى نجد أيضاً أن العنصرية والتمايز يلازمان تطور الدولة وتكريس هويتها الضيقة ، حيث تستثنى وتستبعد هويات هامشية أخرى لم تكن ضمن الجوقة ، والتى يعتقد أنها اختيرت وانتخبت إلهياً لبلورة المشروع الدينى الأزلى، وكما فى إسرائيل ، حيث يبقى الجدل حامياً بخصوص من اليهودى الحقيقى الأصلى نجد أن فى السعودية أيضاً لا يصمت الجدل المختص بتعريف من هو المسلم الحقيقى ، مع الاستنتاج المسبق أن رعية الدولة الضيقة هى صاحبة الحق والكلمة الفصل فى تحديد مواصفات هذا المسلم وخصائصه وصفاته .
خامساً : التقارب فى الخصائص بين السعودية وإسرائيل ينطلق من كون الكيانين نتجا عن العنف ضد الغير : قامت دولة إسرائيل على عنف منظم تحت مظلة ومباركة خارجية (بريطانيا) ، حتى نتجت عن هذا العنف حركة توسعية تستمد شرعيتها من الدين ، وجنودها من المستوعبين للخطاب الدينى أو الانتهازيين الذين يقتنصون الفرص التاريخية ، وكذلك كانت السعودية منذ بدايتها دولة اعتمدت على الدعم الخارجى البريطانى والعنف المحلى لتثبيت مشروع متلبس بالدين ولكنه سياسى بالدرجة الأولى .
وقد قام الكيانان على العنف التوسعى وبسط الهيمنة بحد السيف وشرعية النص الدينى المستغل للمشروع السياسي ، وأدى هذا العنف إلى دول بلا حدود ، وحتى هذه اللحظة تظل حدود الدولة العبرية معلقة ومبهمة وكذلك حدود المد السعودى ، والذى انحصر جغرافياً على الأرض إلا ان مشروع الهيمنة السعودي يبقى عالمياً لا يعرف مفهوم الحدود .. التوسع السعودى والتغلغل فى العالم العربى والإسلامى وحتى الغربى ، يجعل هذا الكيان مملكة بلا حدود ، والتوسع الإسرائيلى الجغرافى يظل عالقاً على مقدرة الدولة دون تحديد لمساره المستقبلى ، لأن ذلك يظل رهينة القدرة على استعمال العنف ضد الغير .
سادساً : يعتمد الكيانان : السعودى والإسرائيلى على العنصر الخارجى ، ليس فقط فى بداية المشروع بل من أجل استمرارية هذا المشروع فحتى هذه اللحظة لا تستطيع السعودية وإسرائيل أن تقفا على قدمين صلبتين دون الدعم والمساندة من الخارج ، فهشاشة الكيانين تتطلب العنصر الخارجى ، لأنهما مشروعان يتصفان بهشاشة الشرعية وتزويرها ، تنبع هذه الهشاشة من تجنيد الخطاب القديم الدينى فى سبيل مشروع حديث لا يمت بصلة إلى هذا الخطاب القديم ، تنبع أيضاً من تزوير الحقائق التاريخية وربطها بمحاولات لشرعنة العنف الموجه ضد الآخر ، وبدون الدعم الخارجى المعنوى والمادى والعسكرى تسقط المنظومة الإسرائيلية ونظيرتها السعودية ، ولا يبقى سوى كيانات مرتجفة تعتاش على تصوير نفسها وكأنها تكثيف لمعنى الطهر والنقاء الذى يعانى من مخاطر أزلية وقوى شريرة تحاول النيل منه وتقويض دعائمه .



#فكرى_عبد_المطلب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤى المثقفون والإصلاحيون فى السعودية حول سبل الإصلاح السياسى
- نحو نماذج معرفية مفارقة
- التحريفات الوهابية لعلوم التوحيد الإلهى والحديث النبوى .. قر ...
- بعد أن صار العالم الحداثى افتراضيا وما بعده حقيقيا .. العقل ...
- مستقبل الحركات الاسلاموية فى مجتمع العولمة..- الاخوان - مثال ...


المزيد.....




- انتقاد أميركي للعراق بسبب قانون يجرم العلاقات المثلية
- نتنياهو يشعر بقلق بالغ من احتمال إصدر الجنائية الدولية مذكرة ...
- لازاريني: المساعي لحل -الأونروا- لها دوافع سياسية وهي تقوض ق ...
- تظاهرات حاشدة في تل أبيب تطالب نتنياهو بعقد صفقة لتبادل الأس ...
- سوناك: تدفق طالبي اللجوء إلى إيرلندا دليل على نجاعة خطة التر ...
- اعتقال 100 طالب خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة بوسطن
- خبراء: حماس لن تقايض عملية رفح بالأسرى وبايدن أضعف من أن يوق ...
- البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم -المثلية الجنسية-
- مئات الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بالإفراج عن الأسرى بغزة ...
- فلسطين المحتلة تنتفض ضد نتنياهو..لا تعد إلى المنزل قبل الأسر ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فكرى عبد المطلب - السعوديون والقطريون يدعمون الهيمنة الإسرائيلية على الأسواق العربية